مقـدمــة
تعاني المدينة الجزائرية اليوم من عدة اختلالات و في مختلف المجالات العمرانية الاجتماعية الاقتصادية وغيرها حيث أن عدم تكافؤ الفرص في المدن الجزائرية أدى إلى اختلال في الكثافات السكانية من الشمال إلى جنوب وزاد من هجرة السكان وهذا ما أدى إلى خلق فوضى في المدن الجزائرية وانتشار العمران الفوضوي نتيجة الحاجة إلى العقار و رغم وجود قوانين تتعلق المدينة و ضوابطها إلا أن هذه القوانين لم تعد فاعلة لعدم تماشيها مع تطور المدينة الجزائرية كل هذا أدى إلى استصدار مشروع القانون التوجيهي للمدينة .
فهل سيكون هذا القانون بمثابة القفزة النوعية في السياسات ألأستراتيجية في تخطيط المدن ، ويأتي بحلول للمشاكل وألأختلالات التي تعاني منها المدينة الجزائرية ؟ وهل ستكون هاته الحلول مؤقتة أم ستكون حلول مستدامة للتحديات المستقبلية ؟.
القانون التوجيهي للمدينة
يندرج مشروع هذا القانون في سياق استكمال المنظومة التشريعية المتعلقة بتهيئة الإقليم والتنمية المستدامة وحماية الفضاءات الحساسة وتثمينها وترقيتها.ويقوم هذا المشروع على عدد من المبادئ والاعتبارات تتمثل في وضع إطار تشريعي منسجم يضمن ترقية المدينة.ويكرس هذا النص مبدأ التشاور والتكامل في إعداد الاستراتيجيات المتعلقة بسياسة المدينة والإسهام في إنجاحها وترقية الاقتصاد الحضري والتنمية المستدامة،وتجسيد مهام المراقبة ومتابعة كافة النشاطات المتعلقة بسياسة المدينة مع التركيز على الخدمة العمومية والشفافية والعمل والتضامن وتعزيز حضور الدولة وتطبيق القانون وتحديد إطار مؤسساتي وتنظيمي لتسيير المدينة وتحديد صلاحيات الفاعلين ودورهم، التقليل من الاختلالات في المناطق الحضرية ومراقبة توسع المدن واعتماد قواعد التسيير والتدخل والاستشارة تقوم على مبادئ التعاقد والشراكة وتنويع مصادر التمويل للتنمية المستدامة للمدينة وإنشاء مصدر للمدينة يتولى تخطيط سياسة المدينة ومتابعة تنفيذها.
مشروع القانون التوجيهي للمدينة
تاريخ الإيداع 2005.05.15
تاريخ الإحالة على اللجنة 21. 05. 2005
القطاع المعني وزارة تهيئة الإقليم و البيئة
تاريخ المناقشة 14. 06. 2005
تاريخ التصويت 2006.01.03
رقم الجريدة الرسمية للمداولات 161
الدورة ربيع 2006
رقم الجريدة الرسمية 15
أهداف القانون التوجيهي للمدينة :
للقانون التوجيهي للمدينة أهداف تصب كلها في هدف الرقي بالمدينة الجزائرية ومن بين هاته الأهداف ما يلي :
• يهدف هذا القانون إلى تحديد الأحكام الخاصة الرامية إلى تعريف عناصر سياسة المدينة في إطار سياسة تهيئة الإقليم و تنميته المستدامة .
• تقليص الفوارق ين الأحياء و ترقية التماسك الاجتاعي
• القضاء على السكنات الهشة و غير الصحية
• التحم في مخططات النقل و التنقل و حركة المرور داخل محاور المدينة وحولها
• تدعيم الطرق والشبكات
• ضمان توفير الخدمة العمومية و تعميمها
• حماية اليئة
• الوقاية من الأخطار
• ترقية الشراكة والتعاون بين المدن
• اندماج المدن الكبرى في الشبكات الجهوية و العالمية
• تحقيق التنمية المستدامة
• الحافظة على البيئة الثقافية
• ترقية الوظائف الاقتصادية للمدينة
• اعادة هيكلة و تأهيل النسيج العمراني و تأهيله
• تصحيح الاختلالات الحضرية
• المحافظة على المساحات العمومية و المساحات الخضراء و ترقيتها
• تدعيم وتطوير التجهيزات الحضرية
محتوى القانون التوجيهي للمدينة :
يحتوي القانون التوجيهي للمدينة على تسع وعشرين ( 29 ) مادة مقسمة الى ستة ( 6 ) فصول :
المادة الاولى : و تتضمن أهداف القانون التوجيهي للمدينة وهي مادة مستقلة عن الفصول.
الفصل الأول :
ويتعلق بالمباىء العامة لسياسة المدينة و المدرجة في المادة الثانية
المادة الثانية : و تضم المبائ العامة لسياسة المدينة وهي .
• التنسيق و التشاور
• اللاتمركز
• اللامركزية
• التسيير الجواري
• التنمية البشرية
• التنمية المستدامة
• الحكم الراشد
• الإعلام
• الثقافة
• المحافظة
• الانصاف الإجتماعي
الفصل الثاني :
ويتعلق بالتعاريف و التصنيف و يضم 3 مواد :
المادة الثالثة : و تضم مفهوم كل من :
• المدينة
• الاقتصاد الحضري
• عقد تطوير المدينة
المادة الرابعة : و تضم تصنيف التجمعات السكانية إلى
• المدينة المتوسطة ( 50.000 إلى 100.000 )
• المدينة الصغيرة ( 20.000 إلى 50.000 )
• التجمع الحضري ( على الأقل 5.000 )
• الحي ( جزء من المدينة )
المادة الخامسة : و تضم معايير إضافية لتصنيف التجمعات السكانية كالوظيفة و التاريخ ...
الفصل الثالث: ويتعلق يضم الإطار والأهداف التي تطبق من أجلها سياسة المدينة ويضم سبع مواد
المادة السادسة : و تضم أهداف سياسة المدينة ومن أهمها تقليص الفوارق ، الرقي بالسكن التحكم ، التدعيم ، الخدمة العمومية ، حماية البيئة الوقاية و الاندماج .
المادة السابعة : و تضم الربط بين سياسة المدينة و التنمية المستدامة .
المادة الثامنة : و تضم أهداف التنمية المستدامة و الاقتصاد الحضري .
المادة التاسعة : و تضم أهداف المجال الحضري و الثقافي ( تفاعل مكونات المجال الحضري )
المادة العاشرة : وتضم أهداف المجال الاجتماعي ( الحياة الاجتماعية )
المادة الحادية عشرة :و تضم أهداف مجال التسيير إلى ترقية الحكم الراشد .
المادة الثانية عشرة : و تضم أهداف المجال المؤسساتي
الفصل الرابع :
و يتعلق الفاعلون و الصلاحيات التي تترتب عن هذا القانون ويضم خمس مواد
المادة الثالثة عشرة : وتتضمن سلطة الدولة في إدارة سياسة المدينة
المادة الرابعة عشرة : و تتضمن طرق التي تحدد بها السلطات العمومية سياسة المدينة المادة الخامسة عشرة : وتتضمن مهام الجماعات الإقليمية التي يتوجب عليها التكفل تسيير المدن التابعة إليها و تحقيق الأهداف المرجوة .
المادة السادسة عشرة :وتتضمن إلزام المستثمرين و المتعاملين الاقتصاديين في المساهمة في تحقيق الأهداف المسطرة لقانون المدينة .
المادة السابعة عشرة : و تتضمن الإشراك الفعلي للمواطن في البرامج المتعلقة بالتسيير .
الفصل الخامس :
و يتضمن الأدوات و الهيئات وتندرج تحت هذا الفصل ست أقسام مكونة من تسع مواد :
القسم الأول : أدوات التخطيط المجالي و الحضري
المادة التاسعة عشرة : وتتضمن تحديد أدوات التخطيط المجالي و الحضري
القسم الثاني : أدوات التخطيط و التوجيه القطاعية
المادة عشرون : و تتضمن انتهاج التشاور و التنسيق لضمان التطبيق الناجح لأدوات التخطيط و التوجيه القطاعية على مستوى المدينة .
القسم الثالث : أدوات الشراكة
المادة واحد وعشرين : وتتضمن وضع البرامج و النشاطات حيز التنفيذ عن طريق الاكتتاب مع الجماعات الإقليمية و الشركاء الاقتصاديين و الاجتماعيين .
المادة الثانية و العشرين : و تتضمن إمكانية الشراكة بين المدن في انجاز التجهيزات و المنشآت
القسم الرابع : أدوات الإعلام والمتابعة و التقييم
المادة الثالثة و العشرين : و تتضمن وجوب تحديد أدوات التقييم و الإعلام و وضعها حيز التطبيق في إطار سياسة المدينة .
المادة الرابعة و العشريين : و تتضمن تخصيص يوم وطني للمدينة و استحداث جائزة أحسن مدينة .
القسم الخامس : أدوات التمويل
المادة الخامسة و العشرين : و تتضمن تمويل الدراسات و النشاطات يتم تمويل الدراسات و النشاطات .
القسم السادس : المرصد الوطني للمدينة
المادة السادسة و العشرين : و تتضمن إنشاء مرصد وطني للمدينة و مهامه .
الفصل السادس :
ويتضمن الأحكام النهائية و يتكون من ثلاث مواد :
المادة السابعة و العشرين : و تتضمن تخصيص الحاضرة الكبرى لمدينة الجزائر من تدابير خاصة تتخذها الحكومة .
المادة الثامنة و العشرين : و تتضمن إمكانية اتخاذ إجراءات تحفيزية خاصة لفائدة المدن .
المادة التاسعة و العشرين : و تتضمن إشهار هذا القانون في الجريدة الرسمية
تقييم القانون التوجيهي للمدينة :
لقد جاء قانون المدينة بأهداف من شأنها أن تعطي وجها آخر للمدينة قد يوصلها الى مصاف المدن العالمية ، وان كان مجيء هذا القانون كحتمية للعولمة الا انه مولود يحتاج الى السهر على تطبيقه للخروج بالمدن الجزائرية إلى بر الأمان و الرفاهية .
ما قاله الوزير المنتدب المكلف بالمدينة في اليوم الوطني للمدينة :
أكد عبد الرشيد بوزارة الوزير المنتدب المكلف بالمدينة في لقائه مع الصحافة في حصة منتدى التلفزيون أن الاهتمام بالمدينة يعد من أفضل الطرق الحضارية لتحقيق التنمية وهذا من خلال تسطير برامج تنموية شاملة تضع في اعتبارها منهجاً جديداً في تسيير البلديات وإصلاح الجباية المحلية والبحث عن مصادر الاستثمار المحلي حسبما ينص عليه القانون التوجيهي للمدينة، لاسيما وان المدن الجزائرية تتميز بثراء تاريخي وعمراني مميز حيث أشار على أن 350 مدينة جزائرية يمكنها الارتقاء إلى مصاف المدن العالمية إذ وفرت لها أدوات التنمية.
أما فيما يخص تهيئة الأحياء فقد ذكر الوزير بالمراسيم التنفيذية التي صدرت لحد الآن والخاصة بتهيئة المحيط العمراني بالإضافة إلى مشروع "عقد الحي " الذي يعمل عليه بالتنسيق مع وزارة الداخلية والجماعات المحلية والذي يرى انه سيصبح "أداة عملية ملموسة يتم من خلاله إشراك المواطنين في حماية المحيط وتحمل مسؤولية صيانة المرافق العمومية والحفاظ على الطابع الجمالي للأحياء ".
وعن الفاعلين في هذا المشروع الكبير فقد نوه الوزير بالدور الذي يمكن أن يقدمه المواطن من خلال تنمية الحس المدني لديه وحثه على الحفاظ على الطابع الجمالي للمدينة التي يقطن بها و لن يتسنى هذا إلا بتضافر كل الجهود خاصة قطاع التربية الوطنية الذي ادخل في الأطوار التعليمية الثلاث موضوعا حول المدينة.. ومن جانب أخر فقد أعلن الوزير عن انطلاق سبر الآراء الخاص بإحصاء مشاكل المدن والحلول المقترحة في الأسابيع الماضية وان العملية ستغطى 32 مدينة كما قدم الرقم الأخضر الذي تم افتتاحه 1560 لفائدة كل مواطن.
وبخصوص بناء المدن الجديدة للتقليص من الاكتظاظ الذي تعاني منه معظم المدن الكبرى أكد الوزير أن كل المخططات العامة لبناء هذه المدن قد أنجزت وان العديد من الشركات الأجنبية والوطنية الكبرى أبدت اهتمامها في المساهمة في انجاز هذه المدن لاسيما في مدن سيدي عبد الله و بوينان و حاسي مسعود لفك الاختناق على المدن الكبرى في حين لا يمكن تجاهل البنايات القديمة التي تحتاج هي بدورها إلى معالجة جدية.
وعن احتمال إنشاء المرصد الوطني للمدينة فقد ألح الوزير على أهمية هذا الأمر الذي من شأنه نقل تسير شؤون المدينة إلى أعلى المستويات وتطوير آليات إشراك المواطن في ذلك من خلال خلق مرصد مستقل لكل مدينة
واعتبر الوزير اليوم الوطني للمدينة المصادف لـ20 من شهر فيفري الحالي فرصة للفت الانتباه للرهانات الجديدة للمدينة وجعلها احد ابرز القضايا الحضارية اعتبر الوزير وعن إنشاء جائزة أحسن مدينة فلابد أن تركز المشاركة في الجائزة يستدعي تناول عدة مواضيع ذات علاقة بالمجالات البيئية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية بحيث ستكون هذه الانجازات بمثابة برامج تكميلية للمدينة ". و "يمكن لكل المدن تقديم انجازاتها يوم 20 فيفري الجاري لإجراء المسابقة لنيل الجائزة التي نص عليها القانون التوجيهي للمدينة واقرها رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة وقد تم تشكيل
رسالة رئيس الـجمهورية بمناسبة اليوم الوطني للمدينة
20 فبراير 2007
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الـمرسلين
وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين
أيـتهـا الـسيـدات الفضلـيـات،
أيـهـا الـسادة الأفـاضـــل،
نلتقي اليوم لتكريس سنة حميدة جاء بها القانون التوجيهي للـمدينة الصادر سنة ، الذي جعل من فيفري من كل سنة يوما وطنيا، ومن أجل رسم معالـم سياسة الـمدينة ضمن إستراتيجية تهيئة الإقليم والتنمية الـمستدامة التي تستهدفها بلادنا.
إن الـمدينة من حيث كونها وعاء إبداع الـحياة ومهد كل عبقريات الـمدنية، و مرصد متــواتــرة أنباؤه، يروي بلا كلل، ولا ملل، محطات أخبار الأمـم، واصفا حالات التآنس مثلا وقيـما و التوحش عنفا و خرابا، لتـمثل كما مثلث أمس، منارة للذاكرة الواعية و مرتكزا لـجغرافية الفكر و الذكر وسدا أمام ذهنيات التعصب الإثنى والترسب الذي يحاصر الذوق ويلغي التسامي الذي فيه التسامح والتقاسم والتبادل بين الـحضارات وثقافاتها.
إنها تضل أحيانا إما معلـما لـحضارات عنيدة أو أثرا يقاوم تقلبات الزمن أو طيش البشر.
إنها كما كانت و كما هي اليوم، دون تقصير، قلب الأحداث كلها، ومحطة رئيسية، ومنبر الـمحـادثات بين الثًقافات والـثِـقافات.
فصناعاتها وتنظيـمها و كل أدوات التـحكم في فضائها ومـمارسات ساكنتها جيلا بعد جــيل، خصبا أو عقيــــما، لا تكفي دائما لتبلور معالـم مدينة تنصهر فيها كل الفعاليات الـمبدعة، و الطاقات الـخلاقة، والقيـم الإيجابية، التي بدونها لا يـمكن للـمدينة أن تخصب حواضنها، لتلد مدنية تـجمع أرحامها الولادة، دومـا، أصول التأصيـل العمراني والتعميري.
لن تكون الـمدينة امتدادا للـمدنية بجدرانها وأزقتها، وإنـما تكون كذلك عندما تتأهل بإبداعات ساكنتها الأصلية والوافدة، وتتـحول إلى مصدر مساهمات راقية، في الـحداثة العمرانية الباحثة، دوما، عن مدينة الـمستقبل «الـمدينة الفاضلة » التي تـمثل حلـم التـحدي لكل حضارات التعمير والعمران البشــري منذ عهد بلاد ما بين النهرين، إلى مدينة ما بعد الـمدينة أي الـمدينة الافتراضية .
إن الـحداثة العمرانية و التعميرية التي تفرضها سنن التطور لا يـمكن أن تدفعنا إلى الضياع الـجمالي، لنسقط في متاهات الانحراف الإنساني الذي بدأ يجتاح فضاء مدننا الـمختلفة و عليه، فإن حاجة الإسكان و ضرورة الـمرافق لا يـمكنها، وحدها، بلورة معالـم الـمدينة، بل إن الثقافة العمرانية وقيـم التـحضر، هي التي تبلور روح الـمدينة و تصبغ هويتها، فضاء، وساكنة، وتـميزا، و ريادة، وإبداعا فهي الـحواضن التي ترسخ التقاليد الـحضرية التي بتراكمها تشكل مقومات التراث الوطني الذي يستقي هويته من تـميزه وليس في التـماهي الأعمى في غيره، والذوبان السريع، الذي يؤدي إلى الاغتراب والتشويه.
فإن تـحولت بعض من حواضرنا العتيقة ، إلى فضاءات متـحفية ذات الرونق الـمغلف، دوما، بحميـمية الـمكان، بالرغم من حصار العمران الـحديث، فذلك لأنها حملــت وما تزال تـحمل روح العمران الأصيل الذي يطوي في ثناياه لـمسات الـماضي التليد، الـمشرقة أبدا شموس جماليته والرهان اليوم في هذا الشأن، يتـحدى التـماهي في الـحداثة العمرانية الغربية، ليطرح و بإلـحاح على العبقرية الـجزائرية، ليس فقط دخول سباق العبقرية العمرانية العالـمية، و إنـما استلهام التراث العمراني العربي والإسلامي، جماليا، و بيئيا، لصياغة مشروع عمراني عريق، و مندمج ، من حيث بنيته ومقارباته العلـمية.
إن الـمدينة و بالنظر إلى بنيتها و وظائفها والرهانات التي تـحيط بها، تخضع إلى مقاربات نوعية و متنوعة دائما، و هذا بسبب تلك العلاقة الوظيفية و الـحياتية ، بين الـمواصفات الاجتـماعية للساكنة، و ملامح الفضاء الذي يلائمها فالنشاط الاقتصادي الـحضري و ما يقتضيه من تنوع خدماتي يحرك التدفقات كلها محولا الـمدينة إلى فضاء قوة و قاطرة للتنـمية الـمستدامة و عليه فلا يـمكن اعتبار الاقتصاد الـحضري عاملا ثانويا في تصنيف الـمدن، فمنه تنبثق الـمشاريع العمرانية وتترسخ قيـمة السوق للـمكان التي تنـمي التدفقات الـمالية، بالرغم من أنها قد تؤدي إلى ذوبان الـمرجعية للثقافة الـحضرية التأصيلية، التي تقي من التوترات الـحضرية، و تقلل من ضعف الـمفارقات، و من حدة التناقضات في الفضاء الـمديني.
إن دلالات السلوك الـحضرية الراهنة و طبائع التعمير الفوضوي، أحيانا، قد بدأت تدفع أهل الشأن الـمديني، إلى دق ناقوس الـخطر، حول ضرورة تـجاوز إشكالية الإسكان، الذي لا يـمكنه أن يصنع مدينة مندمجة ومتـميزة، يوجهها مشروع عمراني وطني، يتلاءم مع مقتضيات البيئة والقدرات الاقتصادية و الـمرجعيات الـجمالية الـخاصة بكل فضاء فثمة حاجة ماسة إلى تنويع الواجهة العمرانية والتعميرية بالبحث الأصيل في فرضية التناغم و التكامل بين الـمشروع العمراني الوطني ، ووحدات مشاريع العمران الـمحلي ، التي تتطلبها الظروف البيئية و تقتضيها تنوعات أقاليـمنا.
و يتعين علينا في هذا الصدد تشجيع الترابط بين مختلف مدن القطر ضمن شبكة واسعة لخلق التضامن، وتسهيل تبادل التجارب و الـمؤهلات فيما بينها كما ينبغي مراعاة تكامل سياسة نمو الـمدن من جهة، ومتطلبات التنمية الريفية من جهة ثانية، وجعل التكامل بين ساكنة الـمدينة وأهل الريف حقيقة في الـمجالات الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.
إن القفز على واقع الـحياة العمرانية وبخاصة التوترات داخل الفضاء الـحضري و الارتـماء في أحلام الـمدن العملاقة دون تـحديد مسبق لأدوات الإنـجاز و التوضيح الدقيق للـمشروع الـحضري الذي يبقى قوامه التنـمية الاجتـماعية الـحضرية، و يؤدي إلى مضاعفات تعميرية يصعب التـحكم في تعقيداتها ومخاطرها سواء على التوازنات داخل الـمدن، أو فيـما تعلق بالأمن الاجتـماعي والرفاهية الـحياتية الـحضرية.
إن إنشاء مدن جديدة، يدخل في حركية النمو التي تعرفه بلادنا على مختلف الصعد و يندرج ضمن نمط توسعات العمرانية الحديثة التي تراعي خصوصية الـمكان من حيث نوع النشاطات التي سيحتضنها وطبيعة الحاجات الـمتنوعة و الـمتزايدة للساكنة
فثمة، إذن ، علاقة وطيدة بين النفس التعميري ونـموذج الـمدينة التي تسعى مجموعة الفاعلين إلى تـحقيقها.
فهي من حيث كونها هوية مرتبطة بـمواصفات إقليـم محدد هي التي تضبط الـمخطط العمراني و ليس العكس فإن تـمكنت البلاد من تـحقيق إنـجازات عمرانية هائلة توزعت على مختلف مناطق البلاد فقد غاب في كثير من الأحيان ربطها بخصوصية الـمكان من حيث تناسقها مع طبيعة العمران الأصلي الذي يمتد في أعماق التاريخ يروي حياة من سبق و يشهد على أحقاب خلت بمميزاتها الحضارية التي طبعت هوية الـمكان مع إضافة مسحات جمالية تأخذ في الحسبان ما استجد من إبداعات الإنسان في الصناعة العمرانية و التعميرية.
إن الـمدينة تـحتاج اليوم إلى عناية أكثر سواء فيـما تعلق بتسييرها كفضاء حيوي و معقد أو من حيث التكفل بعلاقتها الإستراتيجية بإشكالية تهيئة الإقليـم و ما يرتبط به من إشكاليات فرعية كالتوزيع الديـموغرافي للساكنة وتخطيط اقتصاديات الـمستقبل هذه الـحيثيات تطرح على التـجربة العمرانية والتعميرية في الـجزائر أن تلتفت ، وبعناية ، إلى تأهيل الـمدن من جديد، وفق خارطة، تتوازن فيها الـمصالـح و تتـجانس التعايشات بين كل الفاعلين إن أحزمة الأحياء التلقائية التي صارت تـحاصر الـمدن كلها تقريبا، والتـمدد الأفقي والفضائي، يجب أن تخضع كلها للـمعالـجات التي تعتـمد على الدراية العلـمية والـمعرفة الـميدانية والطرق الـحديثة والـمتخصصة.
فليس لنا من خيار إلا تجاوز بناء أحياء مراقد يصطف بعضها إلى جانب بعض في ديكور حزين يضفي مسحة من الكآبة على الـمكان بما يعكر صفو ساكنيها و يعقد الأمر أمام القائمين على إدارتها و تسييرها في خلق فضاءات لأنشطة قادرة على بعث الحياة فيها بل قد تشكل خطر على الأمن الاجتماعي بما توفره من كثافة سكانية لا تربطها في الغالب تقاليد متوارثة من عيش سابق مشترك بما يسمح من فرض قيم جماعية تضبط سلوكات الأفراد وتمنعهم من التصرفات الـمشينة والإخلال بالآداب العامة.
إن هذا اليوم الوطني الذي نحييه فبراير ليـمثل يوما لا ينتهي فهو يـمتد إلى الأيام كلها التي تتواتر خلالها تلك الصناعة الـمضطرة للظاهرة الـحضرية، و تتوالى معها إفرازات جموع الـمفارقات ، الـمتولدة من التعمير السريع من جهة و من التناقضات التي تتواتر إكراها مثل حتـميات اختلال التوازن بين اقتصاد الريف واقتصاديات الـمدينة من جهة ثانية .
و بغض النظر عن التواترات الـحضرية الظاهرة للعيان وعن الانحرافات العمرانية التي صارت تطبع الـمشروع العمراني و ظروف الـحياة الـحضرية، فإن مدننا ما زالت في متناول إرادتنا التسييرية و عليه، فإن هذا اليوم الـمخصص للـمدينة يدفعنا إلى التأمل في الإشكاليات التي تفرزها وتطرحها الـمقتضيات الـملـحة نحو مدننا الـمختلفة انطلاقا من عمران مدنيتنا الزاخر والـمتنوع و الأصيل ، الشيء الذي يحتـم علينا التـمعن في هوية مدننا الـحالية من خلال علاقتها بذاكرة حواضرنا الباقية والعمل بالـمقاربات الشاملة للإقليـم الـحضري بل للإقليـم ككل لبلوغ التنـمية الـمتناسقة الـمتكاملة الـمستدامة لاستعادة وظائفها وفي هذا السياق فالحكومة مدعوة للسهر على إتمام النصوص التنظيمية الـمتعلقة بتهيئة الإقليم وتطوير الـمدن.
إن مسألة التوسع العمراني و قضايا صناعة الـمدن يجب أن تخضع لـمتطلبات مدنيتها كما هي.
فالـمدينة هي روح تطور العمران الـمتظافر مع الـمكان والزمان و قاطرة التعمير، فبقدر ما يقتضي الأمر منا تـجديدا وإبداعا، بقدر ما يقتضي و بإلـحاح السهر على صيانة وحماية ذاكرة حواضرنا تنقيبا و ترميـما و إشهارا .
إن مدننا و بغض النظر عن أحجامها و مواقع توزعها مطالبة بكسب رهان صناعة القوة الـحضرية التي تـمر حتـما عبر اقتصاد حضري تؤهله مدينة فاعلة و هياكل راقية تسيرها الطاقات البشرية الهائلة و الكفأة التي تزخر بها الـمدن.
هذا الـمنحى وحده يجعل مدننا تـحقق روافد متنوعة للتدفقات الـمختلفة و الكفيلة بضمان نـماء حضري مستدام، يصب من حيث نتائجه و آثاره في صناعة تآلف إنساني تطبعه قيـم التفاهم و العدل والتضامن و الرقي الـمشترك وتـمتد قيـمه أيضا ، إلى صيانة البيئة و الـحفاظ على سلامتها.
إن هذه التـحديات النوعية التي تفرض نفسها تـحيل إلى خيارات جديدة غايتها تـجاوز دوامة الـمطالب الكمية في البناء والهياكل بغية الوصول إلى تـحقيق ما يـمكن تـحقيقه من إنـجازات نوعية عالية القيـمة الـجمالية والوظيفية تسمح للكفاءات الوطنية من اختبار قدراتها في مدن مندمجة تـحركها أقطاب الامتياز و تشحنها أحلام الابتكار و نشوة الإبداع فإن تلاقت و بإحكام الهندسة الـمعمارية العمرانية والهندسة الـمعرفية الـخلاقة مـمثلة بأقطابها الـمكانية و البشرية و معها الهندسة الاجتـماعية الـمنظمة و الطابعة لكل التوازنات الـمعيشية فإنها ستطبع الـمدينة الـجزائرية بـمواصفات الـمدن الرائدة سواء الـحالية منها أو الآتية، مدن الديـمومة الـحضارية والاستدامة التنـموية.
حالفكم النـجاح ، ونسأل الله جميعا حسن التوفيق لـخير وطننا الـحبيب.
وشكرا لكم على جميل الإصغاء و حسن الـمتابعة .
عبد العزيز بوتفليقة