منتديات أولاد عطيــــــــــة
منتديات أولاد عطيــــــــــة
منتديات أولاد عطيــــــــــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات أولاد عطيــــــــــة

منتدى عام
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الزير سالم




عدد المساهمات : 66
نقاط : 185
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 02/09/2009

التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة 2 Empty
مُساهمةموضوع: التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة 2   التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة 2 Emptyالأربعاء ديسمبر 23, 2009 10:06 pm

الغالب ضمنية بدلا من أن تكون صريحة – تتمثل في ما يطلق عليه "التناقض البيئي Environmental Paradoxy، لأن هذا يعني بالنسبة لجميع المهتمين بالتنمية المستدامة تقريبا أن هناك تناقض بين ما هو مطلوب من الأرض وبين ما يمكن للأرض أن تقدمه.
كذلك لكي نطور مفهوما متفقا عليه للتنمية المستدامة فإنه يجب أن يكون هناك فهما مشتركا للشيء المراد استدامته. كما لاحظنا في هذه الدراسة فإن للمفهوم جوهرا متمركزا حول الإنسان بشكل مهيمن في أدبيات التنمية المستدامة حيث كان التركيز على استدامة المجتمع الإنساني على الأرض. لكن أي مجتمع إنساني؟ والإجابة طبقا لتقرير بروندتلاند تعني ذلك المجتمع الإنساني القادر على الإيفاء باحتياجاته، إلا أن تلك الاحتياجات يمكن أن تفهم بطرق مختلفة.
ومن ثم يمكن القول أن المشكلة الأكثر وضوحا في هذا المجال تتمثل في التنامي المفرط للنشاطات الإنسانية لاستغلال موارد الطبيعة في مقابل القدرة المحدودة للأنساق الحيوية الطبيعية للإيفاء بتلك النشاطات. ولذا فإن أحد أفضل التعريفات العملية الملائمة "للاستدامة" يمكن أن تتمثل في "تحقيق الحد الأعلى من الكفاءة الاقتصادية للنشاط الإنساني ضمن حدود ما هو متاح من الموارد المتجددة وقدرة الأنساق الحيوية الطبيعية على استيعابه" مع ربطها باحتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة، بشرط أن تكون تلك الاحتياجات مما لا يلحق تهديدا جديا بالعمليات الطبيعية، والمادية، والكيميائية، والحيوية. أي أن هناك قيدا مزدوجا على التنمية المستدامة: يرتبط جانب منه بأداء العمليات الطبيعية، أما الآخر فيتعلق بالإيفاء بالاحتياجات الموضوعية، فضلا عن الاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية كلما كان ذلك ممكنا. ولتحقيق هذا الأمر فإنه لابد من العمل على تعظيم إنتاجية الموارد من جهة وتقليص العبء الذي تتحمله البيئة (سواء من حيث الموارد أو الطاقة) من جهة أخرى.
وانسجاما مع هذا التعريف ينبغي التأكيد عند معالجة المشكلة البيئية على ثلاثة أنواع من التوازن في هذا المجال وهي:
- التوازن بين المناطق وخاصة بين الشمال والجنوب
- التوازن بين الكائنات الحية
- التوازن بين الأجيال
وهذا يعني ضمنيا العمل على تقييد النشاطات الإنسانية ضمن نظام محدد بعناية يمكن من خلاله التحقق من عدم فرض أي أعباء إضافية على النسق الحيوي للأرض أو الأجيال القادمة. إذن فإن ما ينبغي العمل على استدامته هو ذلك الوضع المتوازن عالميا بين احتياجات الإنسان واحتياجات الطبيعة، حيث يجب الإيفاء بمعظم احتياجات الطبيعة لأن تحقيقها يعتبر أمرا حاسما للبشر.
وأخيرا ينبغي الإشارة إلى أن الجدل الدولي حول مفهوم التنمية المستدامة قد خلق بالتأكيد مجالا جديدا من الخطاب كما أن معناه الواسع والغامض قد سمح لجماعات مختلفة للسعي لتحقيق مصالحها بطرق جديدة وحجج مختلفة. وبينما يمكن النظر إلى تلك الظاهرة كمؤشر إيجابي في إبراز قضية التنمية المستدامة لتحتل الصدارة في النقاش العام، إلا أنه يجب أيضا ألا نغفل المخاطر المرتبطة بها. فمع أنه قد لا يكون ممكنا أو حتى محبذا حصر مفهوم التنمية المستدامة في تعريف محدد، إلا أن الخطابات السياسية حول كيفية الربط بين القضايا البيئية والاقتصادية والاجتماعية قد تسببت، وستستمر، في إحداث خلافات سياسية وتنافس حول التعريف الأفضل. وبرغم أن تعدد وتشتت التفسيرات ووجهات النظر يمكن أن تسمح بالمرونة إلا أنه يخشى أن يصبح مبدأ الاستدامة عديم المعنى، وليس أكثر من مجرد عبارة في البلاغة السياسية.


وجهات النظر المختلفة حول الأزمة البيئية والتنمية المستدامة
لقد كانت حركة الاستدامة البيئية، منذ بدايتها، منقسمة على نفسها- مثل معظم الحركات الاجتماعية الأخرى- إلى جناح معتدل عرف احيانا "بحركة الاستدامة الضعيفةweak sustainability" وآخر ثوري عرف أيضا "بحركة الاستدامة القويةstrong sustainability". ومع أن أجندة التنمية المستدامة في الوقت الحاضر تعكس انتصار الجناح البيئي المعتدل أو الإصلاحي حيث أصبح الوجه الأكثر قبولا من الفكر البيئي لدى الساسة والحكومات في الدول الصناعية المتقدمة ، إلا أن الجناح الثوري من الحركة البيئية قد ناضل بدرجة أكبر من أجل الاهتمام بجوانب العدالة والديموقراطية للخطر البيئي مؤكدا على أن "العالم المستدام يجب أن يكون عالم أكثر تساويا(Lowe 2004, 28).



(1) الاستدامة الضعيفة أو الضحلة (المتمركزة حول الإنسان):
تزعم حركة الاستدامة الضعيفة التي عرفت إيضا "بالبيئية الضحلة" “shallow environmentalism” بأن هناك حاجة لتوسيع نطاق المخزون من الموارد وأن هذا يمكن تحقيقه من خلال تطوير موارد متجددة، وإيجاد بدائل للموارد غير المتجددة، والاستخدام الأمثل للموارد الحالية و/أو البحث عن حلول تكنولوجية لمشاكل من قبيل نفاد الموارد والتلوث. وفي القلب من هذا الخطاب يكمن تفاؤلا ضمنيا يتمثل في الثقة بأن البشر سيجدون حلا لكل مشكلة بيئية تبرز على السطح، كما سيكونون قادرين على تعزيز مخزون الموارد وذلك لأن التقدم التقني كما يفترض سيمكن البشر من التحكم في الأرض لتلبية مطالبهم المتنامية. ومن ثم فإن أي مشكلة تظهر ستحل من خلال التطور التقني. ويجادل أنصار هذا الموقف بأن أسباب الأزمة البيئية التي يعيشها كوكب الأرض لا تكمن في قيم نموذج الحداثة المهيمن المتمركز حول البشر ولا في معاييره أو مؤسساته وممارساته بل أن تلوث الماء والهواء ونفاد الموارد الطبيعية وتناقص التنوع البيئي والفقر وحالات عدم المساواة هي نتيجة للجهل والجشع والممارسات الحمقاء في التعامل مع البيئة. ومن ثم:
يمكن كبح مثل هذه الممارسات الحمقاء الملامة خلقيا عبر سن تشريعات وتغيير السياسة العامة، وزيادة التعليم، وتغيير القوانين الضريبية، وإعادة الأراضي العامة إلى مالكيها ......، والتأكيد على الإلزامات الخلقية نحو الأجيال المستقبلية، وتشجيع الإدارة الحكيمة للطبيعة وتشجيع آخر لاستخدام رشيد للموارد الطبيعية (زيمرمان 2006 ص. 20).

كما أنهم متفائلون بشكل عام حيال قدرة الإنسان على حل أي مشكلة يمكن أن تظهر فيما يتعلق بنفاد الموارد. وينبع هذا التفاؤل من الاعتقاد بأن الخبرة العلمية والتقنية في المجتمع الصناعي الحديث ستردم الفجوة بين الطلب والموارد من خلال التحكم في مخزون الموارد – للإيفاء باحتياجات المجتمع. ومن ثم يزعم أنصار الاستدامة المتمركزة حول الإنسان أنه ليس هناك حاجة لتحويل أو تعديل الخطاب السائد حول الطبيعة والبيئة والتقدم الاقتصادي والتنمية والذي ينظر للطبيعة في الغالب كمورد للبشر حق الهيمنة عليه واستغلاله فضلا عن الاعتقاد بأن التقدم الاقتصادي يعتبر معيارا شرعيا للتقدم (زيمرمان 2006 أ: 20) .
وخلال العقود الأربعة الماضية تم استيعاب الاعتبارات البيئية الأساسية بنجاح من خلال موشورات كل من التنمية المستدامة والتحديث البيئي اللذين يهيمنان على الخطاب البيئي في الوقت الحاضر. ومع ذلك فإن حركة الاستدامة البيئية الضحلة هذه تمثل حيزا من المنظورات المتناقضة بل إن ما نجده في الواقع هو تعاقب مرحلي للفكر بين منظريها. وبرغم أن ما يميز هولاء هو أنهم لا يرون حاجة لإحداث أي تغيير جذري فيما يتعلق بالتقدم والتنمية الاقتصادية، إلا أن هناك طيفا من المواقف التي تبحث وبدرجات متفاوتة عن تنازلات تجاه الحماية البيئية. وبدلا من الاعتقاد بوجوب إيجاد حلول للآثار السلبية (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية) للرأسمالية باستخدام ذكاء وإبداع المجتمع بشكل عام، فإن أنصار الاستدامة الضحلة يزعمون في الغالب أن على الرأسمالية أن تستوعب المشاكل البيئية بشكل أفضل. ولذا فإنهم يتبنون، على سبيل المثال، إدخال تحسينات على وكالات مراقبة البيئة، وترشيد استخدام الموارد، واستخدام أفضل الوسائل لتقييم المشاريع لدراسة وتقدير الآثار البيئية للمقترحات والتعديلات الاقتصادية كي تأخذ في الاعتبار الأضرار التي قد تلحق بالبيئة (French 2004: 116-124).
وبرغم التفاؤل الذي يسود بين أنصار هذا التوجه من أن أحدى أهم النتائج المترتبة على تنامي تطور علاقة الإنسان التبادلية مع الطبيعة في ظل ظروف مجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي تتمثل في العملية التي تعرف بـ dematerialization (تقليص الاعتماد على الموارد المادية) والتي تعني الحصول على نفس النتائج أو نتائج أفضل بقدر أقل من استهلاك الموارد المادية من خلال تحويل المنتجات إلى خدمات لدعم وتبرير العمليات الإنتاجية الصديقة (غير الضارة) للبيئة، ونشر التغيرات البنائية المصاحبة لها، إلا أن النسق الاقتصادي الآخذ في التبلور نتيجة لتلك الإبداعات يعاني كما يقول ليفين Levin من عدة تشوهات. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن فروع الإنتاج المعلوماتي تتميز بنمو متسارع مما قد يتسبب في حدوث عواقب وخيمة، وعندها يمكن الحديث عن ما يعرف بتأثير فقاعة الصابون بالنسبة لهذا القطاع من الاقتصاد التي تعني أن حدوث أدنى قدر من التغيرات في الحالة السياسية والاقتصادية قد يحدث موجات عديدة من التوتر في سوق الأسهم على مستوى العالم كله (Levin, 2006:66).
أما فيما يتعلق بمصطلح dematerialization ذاته فلا يبدو أنه ملائم كعلامة للعمليات القائمة حيث أن أهداف الاستهلاك الإنساني لا يمكن إحلالها كليا بنظائرها الافتراضية. ورغم أن الميزة المحددة للتطور التقني في مجتمع المعلومات تتمثل في الإحلال التدريجي للمتطلبات المادية للاستهلاك بأخرى افتراضية، إلا أن هذه النزعة لا يمكن أن تشمل تماما كل مجالات الاستهلاك، كما أن الاستهلاك غير المادي يظل خطيرا على البيئة التي يعيش فيها الإنسان. فقد أعتقد كثيرون أن تطور أنظمة الاتصال مثلا سيقضي بالتدريج على الروابط القائمة بين الناس، والحاجة إلى الاتصال الشخصي، أو حتى أن الحركة المكانية ستتقلص، حيث سيتم تنفيذ معظم العمليات التي تعتبر سلوكا معتادا للإنسان المتحضر- مثل التسوق، والخدمات البنكية، والعمل- من بعد من خلال أجهزة الحاسوب، ومن ثم يمكن القضاء على واحدة من أكبر الأزمات البيئية المتمثلة في تلوث الهواء الناتج عن عوادم السيارات فضلا عن الازدحام السكاني (Levin 2006: 67).
ومع أنه في ظل هذه الظروف يستطيع الناس أن يقابلوا بعضهم بعضا "افتراضيا"، إلا أنه لا يمكن القيام بكل أشكال النشاط الإنساني بهذه الطريقة ويبقى اللقاء الشخصي هاما. وهذا يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدل المسافة التي يقطعها كل شخص أو معدل الرحلات الشخصية. و لا يزال مثل هذا الأمر قائما حتى في الدول المتقدمة. فضلا عن ذلك يجب ألا ننسى عامل أخر لا يقل أهمية فيما يتعلق بمزيد من التطور في المواصلات "الحقيقية": فمع انتشار الناس وتوزعهم على "قرى الحاسوب" ستزداد المسافة بين المنتج للسلع والمستهلك لها كما هو ملاحظ في تجربة البلدان الأكثر تقدما في هذا المجال. وحيث أنه لا يمكن لثلاجة منزلية مثلا طلبت عن طريق الانترنت أن ترسل عبر الفاكس أو الحاسوب فإن حركات الناس عبر المكان تتزايد بنفس معدل تزايد الاتصالات الاليكترونية بينهم.
وهناك أثر أخر لا يقل أهمية لتطور تقنيات الاتصال يتمثل في تنامي استهلاك الطاقة في البلدان المتقدمة. فكل منزل في البلدان المتقدمة تقريبا لديه الكثير من الأجهزة المصممة لكي تستهلك قدرا مطردا من الطاقة. فالأجهزة التي تعمل ليلا ونهارا بدون توقف تعتبر أمرا معتادا كما هو الحال مع أجهزة الحاسوب، ولا يبدو أن مثل هذه النزعة لاستهلاك المزيد من الطاقة في طريقها للتقلص في المستقبل القريب بل أنها تشهد تناميا مطردا، بل أن الأمر سيتطلب إنتاج قدرا أكبر من الطاقة عندما يتم تطبيق الخطط من أجل ما يعرف "بالبيوت الذكية" التي يتم التحكم في كل وظائف الحياة اللازمة فيها عن طريق الأتممة الذكية. وعندما نأخذ في الاعتبار أن القدر الأكبر من كهرباء العالم يتم توليده من خلال محطات الكهرباء الحرارية (التي تستخدم أساسا الوقود الاحفوري كالنفط الخام أو الغاز الطبيعي)نجد أن فرض مثل ذلك العبء الإضافي يمكن أن يقضي على كل الجهود الهادفة إلى إنجاز تنمية مستدامة (Levin 2006:66-68).
وهناك اتجاهان يتمتعان بشعبية متزايدة ضمن أدبيات هذا الاتجاه. أولهما: ما يشار إليه أحيانا "التحديث الإيكولوجي" "Ecological Modernization (see for example: Roberts 2004; Mol 1999 ) ، الذي يزعم أن الممارسات الاقتصادية الحالية متجذرة بشكل عميق في نموذج الحداثة ومرتبطة بالمؤسسات العلمية التقنية الحديثة. وبناءا عليه فإن " المؤسسات المهيمنة تستطيع بالفعل أن تتعلم وأن تعلمها يمكن أن ينتج تغيرا مفيدا" (Hajer, 1996: 251). ومن ثم يرفض هذا الاتجاه النظرة القائلة بأن قوى السوق قد أدت في الماضي إلى التدهور البيئي أو أنها يمكن أن تتسبب في أزمة بيئية في المستقبل ويزعم بأن الأزمة البيئية ليست إلا نتيجة للجهل والجشع وقلة البصيرة وهو ما يمكن كبحه من خلال تطوير التعليم وسن التشريعات وترشيد استخدام الموارد(زيمرمان 2006أ: 20). وبرغم أن هذا الاتجاه يقدم فهما معقدا للمجتمع ما بعد الصناعي إلا أن فكرته الأساسية تتمحور حول الإبداع التقني. فبعكس الاتجاهات البيئية الأخرى، التي ترى أن التطور التقني يمثل معضلة مما يستدعي كبح الرأسمالية أو عملية التصنيع بهدف حل الأزمة الإيكولوجية، يزعم أنصار التحديث الأيكولوجي أن استمرار التطور التقني والتصنيع يقدم أفضل خيار ممكن للتخلص من الأزمة الإيكولوجية في الدول المتقدمة.
كما يجزم أنصار هذا الاتجاه بأن التوقعات بحدوث ضغوط كبيرة على الناس أو الموارد البيئية أمر غير دقيق، بسبب إغفال قدرة البشر على إيجاد حلول لمشكلات الندرة من خلال إيجاد البدائل وتحسين كفاءة النمو الاقتصادي حتى يستخدم موارد طبيعية أقل وتقليص الاستهلاك (Anderson & Leal 1991:2)، فضلا عن رفض إحداث تغيير جذري في مسار التطور الاقتصادي ومطالب البشر تجاه الأرض. وفي هذا السياق يزعم Dryzek أنه "يمكن النظر للتدهور البيئي كمشكلة بنائية يمكن حلها فقط من خلال الإلمام بكيفية تنظيم الاقتصاد ولكن ليس بطريقة تتطلب نوعا مختلفا تماما من النظام السياسي الاقتصادي" (Dryzek 1997: 141). ولذلك يحاول اتجاه التحديث الإيكولوجي التوفيق بين حتميات السوق والالتزامات الإيكولوجية وهذا يعني ضمنا "شراكة تتعاون فيها الحكومات والشركات وأنصار البيئة المعتدلون والعلماء لإعادة صياغة الاقتصاد السياسي الرأسمالي وفقا لأسس بيئية يمكن الدفاع عنها (Ibid:145).
و يعتبر التحديث الأيكولوجي، كما هو الحال بالنسبة للتنمية المستدامة، مفهوما مطاطيا يفهم ويطبق بطرق مختلفة لكنه يذهب أبعد من التنمية المستدامة في زعمه بأن التوفيق بين البيئة والتنمية ليس فقط ممكنا ولكنه مفيد لقطاع الأعمال أيضا. ويحاول اتجاه التحديث الأيكولوجي أن يأخذ التنمية المستدامة خطوة إلى الأمام لكن في اتجاه مختلف بشكل كبير. فهو يؤكد على أن المجتمع الصناعي لن يكون بمقدوره البقاء فقط بل أنه يستطيع التكيف جيدا وبشكل مثمر مع الضغوط البيئية حيث يزعم أن التحكم المسئول في الضغوط البيئية يمكن أن يكون جيدا لقطاع الأعمال، فالتلوث يعكس عدم الكفاءة وبالتالي يضيف مزيد من التكاليف لقطاع الأعمال. وفي هذا السياق يؤكد Hajer 1995 "أن التحديث الإيكولوجي يستخدم لغة قطاع الأعمال ويصور التلوث البيئي كنتيجة لانعدام الكفاءة بينما يعمل ضمن حدود التكلفة والفعالية والكفاءة البيروقراطية"(Hajer 1995:.31). ولا ينكر أنصار هذا التوجه حدة وخطورة المشاكل البيئية لكنهم بدلا من تبديد جهدهم في إنكارها يفضلون الاستثمار في حلها لأنهم يدركون أن معالجة مثل تلك المشاكل يمكن أن ينتج عنه نتائج إيجابية اقتصاديا وسياسيا وبيئيا. أي أن الحماية من التلوث والاستثمار في تقنيات جديدة مجدي اقتصاديا، كما أن النظر للطبيعة كمورد ثمين بدلا من مكب نفايات يعني أن تلويث البيئة مكلف بالمعايير الاقتصادية والبيئية. باختصار يمكن القول أن اتجاه التحديث الإيكولوجي يمثل أساسا اقتراب حداثي وتكنوقراطي للبيئة يرى أنه يمكن إيجاد حلول تقنية ومؤسساتية للمشاكل القائمة، وأن الافتراض الأساسي لهذا الاتجاه يتمثل في أن القيم الاقتصادية والإيكولوجية هي /أو يمكن أن تكون متوافقة، وعندما يتحقق مثل هذا التوافق يتم تحويل المبادئ الإجرائية (مثل التنمية المستدامة) إلى معرفة اجتماعية ومؤسساتية.
ومع ذلك فهناك من ينتقد الافتراضات النظرية ونتائج صنع السياسة لاتجاه التحديث الإيكولوجي (وخاصة الجانب الأضعف منه) باعتباره مجرد نموذج "للرأسمالية الخضراء"، حيث يزعم كل من Connelly and Smith أن التحديث الأيكولوجي، الذي تم تبنيه في كثير من الدول الصناعية المتقدمة وضمن أجندة التنمية المستدامة التي تبنتها الوكالات الدولية، يبرر الوضع القائم ونمط التصنيع الغربي من خلال إعاقة المواقف الأكثر ثورية للاستدامة من الظهور وعدم الاستغلال الكامل للامكانات الثورية لمفهوم التنمية المستدامة وترسيخ النموذج المعرفي المتمركز حول الإنسان والتقنية (Connelly and Smith, 1999:57-59) . كما يتهم هذا الاتجاه بتهميش القضايا البيئية وإخضاعها لاعتبارات الاقتصاد أو إدارة الموارد. ففي صياغة الأجندة البيئية أستخدم التحديث الإيكولوجي لغة قطاع الأعمال التي تنظر للبيئة بمعايير نقدية ولم يهتم بها إلا عندما تحقق عوائد اقتصادية مثل توفير التكاليف أو تحقيق ميزة تفضيلية. وهذا التركيز حال دون أن يتضمن اتجاه التحديث الإيكولوجي الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع التي تعتبر ضرورية في التحول تجاه مزيد من الاستدامة (Christoff 1996: 485). كذلك ينتقد هذا الاتجاه لاستناده على معايير وقيم للتقدم تتبناها النظرية السائدة للتنمية كقيم الحداثة والعقلانية مما جعل "الخطاب الرسمي" الحالي تجاه صنع السياسة البيئية المتبني للتحديث الإيكولوجي يستبعد بشكل كبير المواقف المختلفة للاستدامة التي تشمل اهتماما أكبر بالحساسية الاجتماعية والثقافية، وتعزيز المشاركة السياسية، وتبني استراتيجيات فرعية -إقليمية ومحلية- للاستدامة ويصفها باللاعقلانية (Gibbs 2000: 9-17). وينتقد الاتجاه أيضا لكونه يمثل مسارا أحاديا للحداثة الإيكولوجية مما يجعله مفضلا في أوساط التوجه الرئيس للنظرية التنموية الذي يعتبره بمثابة المرحلة الضرورية القادمة من العملية التطورية للتحول الصناعي، وهي المرحلة التي تتسم بهيمنة العلم والتقنية الغربيين فضلا عن سيادة ثقافة الاستهلاك(Christoff 1996:487-488) .
أما الاتجاه الثاني الذي يشار إليه أحيانا "بالعدالة البيئية" Environmental Justice وأحيانا "الحركة الخضراء" فيمثل مظلة تستخدم لوصف المنظمات التي تحاول تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة نظرا لحالات عدم العدالة التوزيعية الناتجة عن السياسة البيئية. ويزعم هذا التوجه أن هناك ارتباطا وثيقا بين الجودة البيئية والمساواة الاجتماعية، فحيثما يحدث تدهور للبيئة يكون ذلك مرتبطا في معظم الأحوال بقضايا العدالة الاجتماعية والمساواة، والحقوق ونوعية حياة الناس بشكل عام. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن من الظلم تحميل تبعات المخاطر البيئية على كاهل أطراف لم تكن مسئولة عن التسبب فيها وخاصة الفئات الهامشية في المجتمع كالفقراء (Wenz 1988; Low & Gleeson 1998). وفي هذا السياق يزعم (Agyeman 2002: 77-90) أن هناك ثلاثة أبعاد مرتبطة بهذه القضية، أولا: يلاحظ أن البلدان التي لديها توزيع أكثر عدالة للدخل، وقدر أكبر من الحريات المدنية والحقوق السياسية، ومستوى أعلى من التعليم تميل لأن تتمتع ببيئة ذات جودة أعلى مما عليه الحال في البلدان التي تسجل معدلات أقل في مجالات توزيع الدخل والحريات والتعليم. ولا يقتصر هذا الأمر على المستوى العالمي بل يتكرر أيضا على المستويات الإقليمية والمحلية. ثانيا: يتحمل الفقراء العبء الأكبر من تبعات المشاكل البيئية من تلوث الهواء والماء بينما يستطيع الأغنياء ضمان الحصول على بيئة وصحة أفضل لهم ولأطفالهم. ومما يفاقم هذا التوزيع غير العادل للمشاكل البيئية حقيقة أن الفقراء دوليا وقوميا ليسوا المتسببين الرئيسين في التلوث حيث أن معظم التلوث والتدهور البيئي ناتج عن تصرفات الدول الغنية ذات الاستهلاك المرتفع وخاصة الجماعات الثرية فيها. وهذا الوضع هو الذي دفع إلى بروز حركات العدالة البيئية في الولايات المتحدة. أما البعد الثالث فيرتبط بالتنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية منذ قمة ريو 1992م والتي تركز بدرجة أكبر على ضمان الحصول على نوعية حياة أفضل بأسلوب عادل ومتساو مع العيش ضمن حدود النظم الإيكولوجية الداعمة. إلا أن هذه الاستدامة وبرغم أهميتها ليست كافية، فالمجتمع المستدام حقا هو ذلك الذي تكون فيه القضايا الأوسع مثل الاحتياجات الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والفرص الاقتصادية مرتبطة بشكل تكاملي مع القيود البيئية المفروضة (Agyeman. 2002:87).
ولذلك يؤكد اتجاه العدالة البيئية على قدرة النمو الاقتصادي على الاستمرار ولكن مع التأكيد على إعادة توزيع المنافع والتكاليف بطريقة أكثر عدالة مما يجعله وسيلة للتوفيق بين أجندة التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. ويرتبط هذا بالتأكيد على ضرورة توفر قدر أكبر من العدالة كهدف اجتماعي مرغوب وعادل جوهريا بإدراك أنه بدون نضال المجتمع من أجل قدر أكبر من المساواة الاجتماعية والاقتصادية ضمن المجتمع وبين الدول فإنه من غير المحتمل ضمان تحقيق هدف الوصول إلى مجتمع عالمي أكثر استدامة. وينتقد أنصاره النماذج الأقوى من الاستدامة لتجاهلها الآثار السلبية الناتجة عن حركة استدامة رأس المال البيئي على المساواة الاجتماعية، فضلا عن فشل الحركات البيئية والباحثين في مجالها عن إدراك المظالم في الأنماط الحالية للحصول على السلع البيئية من جهة والتعرض للمخاطر البيئية من جهة أخرى. ولذا ينظر للعدالة البيئية كوسيلة لتجاوز تلك المشاكل من خلال إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والطبيعة لكي لا تكون مبنية فقط على معايير اقتصادية، ولتسليط الضوء على الأبعاد الاجتماعية الهامة للأطر والمشكلات البيئية. ويعترف أنصار هذا الموقف بالروابط المباشرة وغير المباشرة بين حماية الموارد الطبيعية وصحة أفراد المجتمع، حيث يدركون أن للبيئة النظيفة أثرا ايجابيا على الصحة العامة للسكان، كما يدركون أيضا أن توزيع خدمات الموارد الطبيعية بين الشعوب لم يكن عادلا. ولذا يزعمون أن الحكومة مسئولة عن حماية الموارد الطبيعية بطريقة تستوعب وجهات نظر واحتياجات الأفراد والحيوانات الأكثر عرضة للضرر حتى يستطيع كل فرد الاستمتاع بمنافع الموارد الصحية والخدمات البيئية. كذلك يعمل أنصار هذا الموقف على إعادة تشكيل الثقافة السياسية العالمية ما بعد الحرب الباردة في علاقتها بالعولمة الاقتصادية. حيث يركز خطابهم على دور الشركات عبر القومية وسياسات الدولة "النيوليبرالية" في علاقتها بقضايا مثل الاحترار العالمي، وقطع الغابات، وفقدان التنوع البيئي، وانقراض الكائنات الحية، وتلوث الهواء والماء(see: Athanasiou 1996; Korten 1995). ويؤكد هذا الخطاب على وجود علاقة وثيقة بين العولمة النيوليبرالية وحالة عدم المساواة وبين الخطر البيئي والعدالة الاجتماعية وذلك لأن العولمة وسياسات تحرير التجارة المنبثقة عنها تعمل على تسريع وتفاقم الخطر البيئي الذي يحول معظمه وبطريقة ظالمة على لفئات المهمشة الأقل استعدادا لتحمله. ولذلك أعلن أنصار هذا الاتجاه عداءهم للعولمة النيوليبرالية الموجهة من قبل الأقوياء لصالح القلة واتهموها بتهديد البيئة وتحطيم المجتمعات واستغلال موارد العالم الثالث، والتسبب في الحروب وإضعاف الديموقراطية(see for example: Starr 2000).

(2) الاستدامة القوية(المتمركزة حول البيئة):
مع أن الاقترابات الاقتصادية للاستدامة الأضعف لم تطرح مسألة انسجام التنمية المستدامة مع النمو الاقتصادي حيث ركزت بشكل أساسي على النمو الاقتصادي، إلا أن محدودية الفضاء والموارد الطبيعية فضلا عن القدرة المحدودة للغلاف الجوي لاستيعاب وتخزين الغازات الدفئية يجعل التنمية المستدامة التي تتطلب نموا لا محدودا تبدو مستحيلة. ولذا ينظر أنصار الاستدامة القوية(المتمركزة حول البيئة) للأرض كمورد ناضب غير متجدد ومن ثم يزعمون أنه ليس هناك مستقبل بيئي ممكن إلا إذا تم تعديل جذري على جانب الطلب من المعادلة من خلال إعادة التفكير في موقفنا تجاه الطبيعة فضلا عن فكرتنا عن التقدم الاقتصادي والتنمية (see for example the works of: Goldsmith et al. 1995; Henderson 1999).
ولذلك تؤكد وجهة النظر هذه المعروفة أيضا "بالإيكولوجية العميقة"deep ecology" " أو المذهب الإيكولوجي (التبيئو) ecologism (الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الكائن الحي والبيئة التي يعيش فيها) "المتمركزة حول البيئة" "ecocentric" بأنه لابد من حدوث ثورة في النموذج الإرشادي المهيمن إذا ما أريد إنقاذ كوكب الأرض من الفساد البيئي. وتبعا لذلك فإن هذه النظرة ترى أنه لابد أن نعمل على تكييف أنفسنا للحفاظ على الطبيعة المهددة بالفناء بدلا من تكييف الأرض لتناسب احتياجاتنا. وقد تسبب إصرار أنصار هذا الاتجاه على إحداث تغير بنائي وثقافي في إثارة مخاوف كل من قطاع الأعمال والساسة وأولئك الناس الذين كانوا يرغبون في حلول جزئية للمشاكل البيئية. وقد مثل هذا التوجه حركة الرفض ضد سياسات وممارسات الشركات والحكومات المتعلقة بالبيئة في الدول المتقدمة.
ونتيجة لذلك يركز أنصار الجانب الأقوى للاستدامة على تغيير المطالب تجاه الأرض ويتبنون فهما مختلفا للتنمية المستدامة، حيث يعمدون إلى التأكيد على الاستدامة الإحيائية (البيولوجية) كشرط أولي لأي تنمية، بدلا من التركيز على التأثير الإنساني على استراتيجيات التنمية، ومن ثم ينظر للتنمية المستدامة كوسيلة لتحسين نوعية الحياة الإنسانية مع العيش ضمن حدود القدرة الاحتمالية للأنساق الحيوية للأرض.
ويندرج تحت حركة الاستدامة القوية هذه عدة فروع للفلسفة البيئية ومنها الفلسفة الإيكولوجية العميقة deep ecologyالمتمركزة حول المجال الحيوي(biocentrism) ، والفلسفة الإيكولوجية النسوية (ecofeminism) التي تعبر عن تنمية مستدامة (متمركزة حول المرأة).
وتعود جذور الإيكولوجية العميقة إلى الفيلسوف النرويجي آرني نايسArne Naess الذي ركز على نقد حركة الاستدامة المتمركزة بشريا التي اهتمت بنظره أساسا بالتلوث واستنزاف الموارد. وتؤكد هذه الفلسفة على اعتبار البشر جزءا مكملا للنسق البيئي الذي يعتبر أعلى وأكبر من أي من أجزائه ومن ضمنهم البشر ومن ثم تضفي قيمة أكبر على الكائنات الحية والأنساق والعمليات البيئية في الطبيعة.
ويعتبر مبدأ نايس Naess's doctrine of biospheric egalitarianism للمساواة في المجال الحيوي، الذي يزعم أن لكل الكائنات الحية الحق نفسه في الحياة والازدهار، المبدأ الأساس للإيكولوجيا العميقة. ويتكون هذا المبدأ الذي يعتبر "قلب هذا التوجه" من ثمان نقاط هي:
1- إن سلامة واستمرار الحياة البشرية وغير البشرية على الأرض تمثل قيمة بحد ذاتها مستقلة عن نفع العالم غير البشري للاستهلاك البشري.
2- أن ثراء وتنوع أشكال الحياة يسهمان في تحقيق هذه القيم، ولهما قيمة في حد ذاتهما أيضا.
3- لا يحق للبشر إنقاص هذا التنوع إلا من خلال تلبية الحاجات الحيوية الأساسية.
4- يتوافق استمرار الحياة البشرية وثقافاتها، وكذلك الحياة غير البشرية، مع عدد أصغر من السكان على الأرض.
5- أن الاستغلال البشري الحالي للطبيعة مفرط جدا ويزداد الوضع سوءا.
6- يجب أن تتغير تلك السياسات لأنها تؤثر في البنى الأساسية الاقتصادية والتقنية والإيديولوجية.
7- لابد أن يكون التغيير الأيديولوجي الرئيس من النوع الذي يثمن نوعية الحياة أكثر من مشايعته لنمط العيش الاستهلاكي الحالي المتزايد باطراد.
8- على أولئك المؤيدين للنقاط السابقة التزام مباشر بمحاولة إنجاز التغييرات اللازمة (زيمرمان 2006: 270-271).

وتبعا لذلك يتبنى أنصار هذا الاقتراب وجهة نظر مختلفة جدا فيما يتعلق بالعلاقة بين الناس والطبيعة حيث يزعمون أن هدف الاستدامة هو حماية الأنساق البيئية الطبيعية ليس من أجل خير وسعادة البشر فقط، كما هو الحال في النموذج المتمركز حول البشر، ولكن للتأكيد أيضا على أن للطبيعة حقوقا حيوية مشابهة، لا تحتاج إلى تبرير بمعايير منفعتها للبشر، (see: Naess 1986) لا يجوز انتهاكها - مثلما أن هناك حقوقا إنسانية لا يمكن التنازل عنها مهما كانت المبررات. والمشكلة بالنسبة لهولاء الذين يعرفون "بالمتمركزين حول البيئة" أن تلك الحقوق الحيوية ليست محترمة في الوقت الحاضر بل أنها عرضة للانتهاك المستمر. ولذا دعا زيمرمان مثلا "إلى إلغاء وجهة النظر المتمركزة حول البشر التي تعتبر الإنسانية ذاتها مصدر كل القيم والتي تنظر للطبيعة حصرا على أنها موارد خام للاستغلال الإنساني" (Zimmerman, 1987:22). وتبعا لذلك فإن التمركز حول البشر قد أستبدل بالتمركز حول "المساواة البيئية الحيوية" التي تعني مساواة بين الكائنات الحية والتي تعترف بالحقوق غير الإنسانية أو الحيوية (see for instance: Eckersley 1992).
وانطلاقا من هذه الخلفية الهادفة إلى إعادة تأهيل البيئة يستمر اقتراب الاستدامة الأقوى في تطوير نقده للتنمية الاقتصادية والتقدم. حيث يرى أنصار هذا الاقتراب أن المجتمع الإنساني- في سعيه اللا متناهي وراء المادية- يسير في الاتجاه الخطأ مع تحول وسائل تحقيق الغايات فيه إلى غايات في حد ذاتها. فالحصول على السلع المادية، مثلا، كان في الأساس وسيلة لتحقيق غاية السعادة إلا أن مثل تلك الوسيلة قد أصبحت اليوم غاية في ذاتها. ولذا دعوا إلى تغيير جذري يأخذ في الاعتبار إعادة تعريف "الثروة" على أنها "سعادة وخير" عوضا عن أن تكون مجرد الحصول على السلع المادية.
ولكي تتحقق مثل تلك "السعادة" للبشر ولغير البشر فإن أنصار الإيكولوجية العميقة يؤكدون على الحاجة لتغيير الطلب المفروض على الأرض. فهم يرون أن الإستراتيجية المشتركة المتبعة تتمثل في مزيد من أسلوب الحياة الأصغر اللا مركزي المستند على قدر أكبر من الاعتماد الذاتي لكي نخلق نظاما اقتصاديا واجتماعيا أقل تدميرا للطبيعة(see, Morehouse 1997; Henderson 1999) بدلا من السعي لتحقيق هدف النمو الاقتصادي من خلال استراتيجيات ذات نظرة خارجية مادية.
كذلك يندرج تحت حركة الاستدامة العميقة فلسفة بيئية أخرى هي الفلسفة الإيكولوجية النسوية (ecofeminism) التي تعبر عن تنمية مستدامة (متمركزة حول المرأة). وبرغم أن مصطلح النسوية الإيكولوجية يشير إلى مظلة واسعة تنضوي تحتها مواقف نسوية عديدة ومختلفة وأحيانا متنافسة لكنها تشترك في افتراضها بأن النساء أقرب إلى الطبيعة من الرجال بفضل طبيعتهن الأساسية والتزامها باستكشاف العلاقة بين النساء والطبيعة وبتطوير فلسفات نسوية بيئية تستند إلى تلك العلاقة(Warren 1987: 13-15; Zimmerman 1987:40) . وفي هذا السياق تزعم كارين وارن Warren (1990) أن ما يجمع تلك المواقف النسوية الإيكولوجية على اختلاف توجهاتها هو الأسلوب الذي بموجبه عمل منطق الهيمنة الذكورية تاريخيا لإدامة وتبرير الهيمنتين التؤام على النساء والطبيعة ضمن إطار مفهومي جائر في المجتمع الصناعي الحديث(نقلا عن زيمرمان 2006ب: 32). أن تأنيث الطبيعة وتطبيع النساء، كما يقول أنصار هذا الاتجاه، كانا تاريخيا جزءا من استغلال الطبيعة ومن ثم يجب اعتبار قضايا التدهور البيئي والاستغلال المفرط لموارد الأرض قضايا نسوية لأن فهمها بنظرهم يسهم في فهم الجور الواقع على النساء. فقد زعمت النسوية البيئية أن "التمركز حول البشر" human-centeredness ليس وحده المتسبب في المشكلة البيئية بل يضاف إليه "التمركز الذكوري". فمن خلال إظهار الارتباطات المفهومية بين الهيمنتين على النساء والطبيعة تحاول النسوية الإيكولوجية، كما تقول كارين وارن، أن تشرح لماذا وكيف ينبغي عليها، بما أنها حركة لإنهاء الاستغلال والهيمنة الجنسية، أن تتوسع لتدخل ضمن اهتماماتها إنهاء الاستغلال التمييزي ضد الطبيعة وفقا للحجج التالية:
أولا: النسوية حركة لإنهاء التمييز الجنسي.
ثانيا: إلا أن التمييز الجنسي مرتبط مفهوميا بالتمييز ضد الطبيعة.
ثالثا: إذن فالنسوية هي أيضا حركة لإنهاء التمييز ضد الطبيعة(نقلا عن: زيمرمان 2006ب: 103).
وتؤكد الحركة الإيكولوجية النسوية على أن كل أشكال الاضطهاد مرتبطة معا ومن ثم يجب أن يكون هناك معالجة شمولية لبناءات الاضطهاد. بمعنى أخر ترى النسوية الإيكولوجية أن هناك رابط قد تطور بين هيمنة الرجال على الطبيعة وهيمنة الرجال على النساء، حيث أن دور السيد-العبد الذي يطبع علاقة الإنسان بالطبيعة يتكرر في علاقة الرجل بالمرأة، مما يتطلب دراسة اضطهاد بناءات القوة الأبوية لكل من العالم الطبيعي والنساء معا وبدون ذلك لا يمكن إيجاد حل لأي منهما. وفي هذا السياق تقول رويثر (Ruether):
يجب أن تدرك النساء أنه لا يمكن تحريرهن و لا حل الأزمة البيئية في مجتمع تظل علاقات النموذج الأساسي (بارادايم) فيه مبنية على الهيمنة. ولذا لابد من توحيد مطالب الحركة النسوية مع مطالب الحركة البيئية من أجل إعادة صياغة جذرية للعلاقات الاجتماعية الاقتصادية الأساسية والقيم المحددة لهذا المجتمع [الصناعي الحديث (Ruether 1975: 204).

وتزعم الحركة الإيكولوجية النسوية أن البناءات الأبوية تبرر هيمنتها من خلال فئات ثنائية من قبيل السماء/الأرض، العقل/الجسد، الذكر/الأنثى، الإنسان/الحيوان، الثقافة/الطبيعة، الروحي/المادي، الأبيض/غير الأبيض، وأن أنساق الاضطهاد القائمة تستمر في استعراض قواها المؤذية من خلال تعزيز افتراضات تلك التقسيمات، بل وحتى إضفاء القدسية عليها من خلال البناءات الدينية والعلمية. وتفترض النسوية الإيكولوجية أنه طالما بقي أي من تلك الثنائيات يمثل مكونا أساسيا للبناء الاجتماعي فسوف تستمر كلها كمنطلقات لتبرير الأبوية. ولذا يجب القضاء على كل أشكال الثنائيات والتضادات و إلا ستبقى الإنسانية منقسمة على نفسها. ويقاوم أنصار هذه الحركة تقسيم الثقافة إلى تلك المجالات المنفصلة أو الثنائية المعيقة، حيث تؤكد كارين وارن (Warren 1997) في مقدمة كتابها Ecofeminism: Women, Culture, Nature على:
أن ما يميز النسوية الإيكولوجية هو إصرارها على اعتبار الطبيعة غير البشرية والتطبيع (مثلا الهيمنة غير المبررة على الطبيعة) قضايا نسوية. فالفلسفة الإيكولوجية النسوية تمد نطاق النقد النسوي المألوف لإيديولوجيات الهيمنة الاجتماعية ليشمل الطبيعة (Warren 1997: 4).

وبالتالي فإن أحد أهداف الحركة الإيكولوجية النسوية يتمثل في القضاء على النظرة إلى العالم المتمركزة ذكوريا، المسئولة عن السلوك الاستغلالي سواء كان موجها نحو النساء أو الطبقات الدنيا أو الحيوانات أو البيئة الطبيعية، وإزالة كل أشكال التمييز الجنسي الجائرة وخلق عالم لا يوّلد الاختلاف فيه هيمنة وتكون الأخلاق البيئية فيه هي "أخلاق إيكولوجية نسوية" وهذا يعني أن تحرير الطبيعة واستدامتها مرتبط مفهوميا بإنهاء الأبوية (Warren 1990:125-146).
وقد شهدت حركة النسوية الإيكولوجية تطورات كبيرة خصوصا بعدما بدأت في مجابهة ظاهرة العولمة وتقييم الموقف المحوري للنساء في اقتصاد العالم. ويظهر ذلك بوضوح من خلال أعمال الكاتبة الهندية فاندانا شيفا ،التي تعتبر واحدة من أبرز تقاد التنمية في عصر العولمة. حيث تؤكد على أن الصيغ المهيمنة في التنمية هي استمرار لمشروع الهيمنة على الآخر (الطبيعة، النساء، والشعوب الأصلية، والطبقات الفقيرة)، وتنظر للتنمية باعتبارها تحولا في النزعة الاستعمارية من استعمار كلاسيكي اعتمد الإخضاع العسكري والاحتلال المباشر والبيروقراطية إلى تنمية استعمارية جديدة تحقق أهدافها بكفاءة أعلى من خلال النخب العميلة والتقنيات المتطورة. وتفترض هذه التنمية الاستعمارية الجديدة مسبقا، وفقا لشيفاShiva ، اختزال النساء والطبيعة كمواد استعمالية تؤثر فيها القوى التقنية والاقتصادية. ولا يقتصر هذا الاختزال على مجال الأفكار والقيم بل يتجاوزه إلى ممارسات مادية بهدف كبح غضب النساء وسلب قدراتهن. وتربط شيفا في كتابها المعنون Staying Alive: Women, Ecology and Survival in India، الذي يعكس الطبيعة العالمية المتنامية للنسوية الإيكولوجية خلال الثمانينات، بين "موت المبدأ الأنثوي" و "التنمية المشوهة " في العالم الثالث حيث تزعم أن:
التنمية المشوهة تؤثر سلبيا في هذه المساواة في التنوع، وتفرض بقوة الصورة المبنية إيديولوجيا للرجل الغربي التقني كمعيار منتظم لقياس قيمة الطبقات والثقافات والأنواع (الجنس).... مما جعل التنوع، فضلا عن الوحدة والانسجام فيه، أمرا غير ممكن ضمن إطار التنمية المشوهة، التي أصبحت مرادفة لتخلف النساء (تزايد الهيمنة الجنسية)، واستنفاد موارد الطبيعة(Shiva 1988: 83).

أما الكاتبة الأسترالية ارئيل ساله Sallehفتركز من جانبها على حجم عمل النساء وطبيعته ومستوى استغلال عملهن عالميا بأبخس الأجور، ومن ثم تلفت الانتباه إلى هذا الاستغلال على أساس جنسي بحيث أصبح النساء بنظرها طبقة بروليتاريا الحاضر، ومع ذلك ترى أن النساء قد قمن بدور مركزي في حركات العدالة البيئية في كل أنحاء العالم وتميز نشاطهن بالتزام عميق في الدفاع عن المجتمعات البشرية والبيئة الطبيعية(Salleh 1997: 6).
وكما أشارت بكنهام Buckingham في مراجعتها لبروز وتطور هذا الفرع من الفكر البيئي، فإن القواعد الأساسية للنسوية الإيكولوجية- التي ترى أن للمرأة علاقة خاصة مع الطبيعة من خلال تكوينها الإحيائي (البيولوجي) يمكن ملاحظتها في مكونات عدد من المبادرات المعاصرة الأكثر شيوعا في حقل التنمية المستدامة التي حاولت إبراز قدر أكبر من الحساسية النوعية (gender). ولذلك فإن ما يمكن مثلا أن يفسر سطحيا على أنه توسيع لاقتراب الاستدامة الأضعف "العدالة البيئية" ليشمل البعد "النوعي"gender" يمكن أيضا تفسيره كبرهان على تأثير النسوية الإيكولوجية على الفكر الرئيس للتنمية المستدامة(Buckingham 2004: 146-154).

الاهتمام الدولي بالبيئة وتبني أجندة التنمية المستدامة
يعتبر مؤتمر الحكومات حول البيئة الإنسانية الذي انعقد في مدينة ستوكهولم في عام 1972م بداية اهتمام حكومات العالم بهذا الموضوع حيث تمخض عنه وثيقتان هما: إعلان ستوكهولم للمبادئ البيئية الأساسية التي ينبغي أن تحكم السياسة، وخطة عمل مفصلة فضلا عن إنشاء برنامج الأمم المتحدة البيئي United Nations Environmental Program (UNEP) كأول وكالة بيئية دولية (كالفرت و كالفرت 2002: 424).
وبرغم أن المؤتمر قد اعترف (في البند 21) بالحقوق السيادية للدول لاستغلال مواردها وفقا لسياستها البيئية الخاصة بها، إلا أنه طلب من الدول عند استغلال مواردها ضمان عدم استنزاف الموارد غير المتجددة، وحماية الموارد الطبيعية من خلال التخطيط الحذر لصالح الجيل الحالي والأجيال القادمة كما ورد في (البندين الثاني والخامس). ولتحقيق ذلك التغير وجهت الدول نحو "تبني اقتراب متكامل ومتناسق لتخطيطها التنموي لكي تضمن توافق التنمية مع الحاجة إلى حماية وتحسين البيئة" (انظر: البند 13). ولذا كان إعلان استوكهولم أول محاولة لتقييد حق الدول في استغلال مواردها الطبيعية وخاصة تلك المتسمة بطبيعة غير متجددة، بطريقة غير معيقة.
وتبرز أهمية مؤتمر استوكهولم في أنه حدد علاقة مشتركة بين استنزاف الموارد بهدف التنمية وحماية البيئة، وهي علاقة تم تبنيها لاحقا في استراتيجية الحماية البيئية الدولية التي بلورت ولأول مرة مفهوم "التنمية المستدامة"، عندما أكدت على أنه "لكي تكون التنمية مستدامة فلابد أن تأخذ في الحسبان العوامل الاجتماعية والبيئية فضلا عن الاقتصادية." وقد مثلت تلك الاستراتيجية بدورها الخلفية الإطارية لتقرير بروندتلاند الذي منح المفهوم شعبية واسعة ومهد الطريق أمام تبنيه بإجماع دولي منقطع النظير في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية البيئية The United Nations Conference on Environment and Development (UNCED) ثم من خلال إعلان ريو وأجندة 21.
ومع أن استجابة غالبية الحكومات لنداءات المهتمين بحماية البيئة كانت بطيئة جدا خلال العقد الذي أعقب مؤتمر ستوكهولم فضلا عن التقدم الضئيل الذي حدث في مجال البيئة، عندما تمت الموافقة في عام 1972م على المعاهدة الدولية للاتجار بالأحياء البرية النباتية والحيوانية المهددة بالانقراض Convention on International Trade in Endangered Species of Wild Fauna and Flora (CITES)، إلا أن قضية البيئة شهدت انتكاسة غير متوقعة في عام 1974م عندما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة الوثيقة المتعلقة بحقوق وواجبات الدولCharter of Economic Rights and Duties of States (CERDS) التي أكدت على

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة 3
» [font=Arial Black]التنمية المستدامة بين الحق في استغلال الموارد الطبيعية والمسؤولية عن حماية البيئة [/font]
» التنمية المستدامة
» زوال الحق أو إنقضاء الحق
» البترول

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات أولاد عطيــــــــــة :: المنتدى التعليمي :: منتديات الجامعة و البحث العلمي :: منتدى الهندسة-
انتقل الى: