سس القانون الإداري
أهمية تحديد أساس القانون الإداري :
لا شك أن وضع أساس للقانون الإداري يساهم في تحديد ولاية هذا القانون و حصر مجال تطبيقه.
1. من حيث الجهة القضائية صاحبة الإختصاص :
إن وضع أساس للقانون الإداري، و توظيف هذا الأساس عملية من شأنها أن توضح لنا إختصاص كل من القضاء العادي و الإداري خاصة في الدول التي تأخذ بإزدواجية القضاء.
2. من حيث القواعد القانونية الواجبة التطبيق :
أي معرفة القواعد القانونية الواجبة التطبيق خاصة إذا نظرنا إلى الإختلاف الكبير بين قواعد القانون الخاص و قواعد القانون العام.
إختلاف الفقه في تحديد أساس القانون الإداري :
إختلف الفقه في فرنسا بشأن تحديد أساس للقانون الإداري يمكن الإعتماد عليه لمعرفة ولاية القضاء الإداري و تطبيق المبادئ و الأحكام المتميّزة و التي لا مثيل لها في القانون الخاص.
1- معيار السلطة العامة
يعتبر موريس هوريو MAURICE HAURIOU رائد هذه المدرسة و مفاد هذه النظرية أن للدولة إرادة تعلو إرادة الأفراد و من ثمّ فإن لها أن تستعمل أساليب السلطة العامة، و هي إن قامت بهذا النوع من الأعمال "نزع الملكية، غلق محل، فرض تلقيح ..."، وجب أن تخضع لمبادئ و أحكام القانون الإداري، كما تخضع في منازعاتها المترتبة عن هذه الأعمال أمام القاضي الإداري.
و لا تخضع الإدارة لأحكام القانون الإداري فحسب، بل تخضع أيضا للقانون الخاص و تمثل منازعاتها أمام القضاء العادي، و ذلك عندما تنزل إلى مرتبة الأفراد و تباشر أعمالا مدنية.
ç ولاية القانون الإداري تم رسم معالمها إستنادا لمعيار السلطة العامة، فهو بهذا الوصف قانون السلطة العامة.
نقد هذا المعيار :
لا شك أن مدرسة السلطة العامة أصابت في نظرتها عندما ميّزت بين نوعين من أعمال الإدارة و هما : أعمال السلطة و الأعمال المدنية، و بالتالي إخضاع أعمالها أحيانا لمبادئ و أحكام القانون الإداري و أحيانا أخرى لقواعد القانون الخاص.
أهم نقد : الفقيه جون ريفيرو
* لا يمكن الإعتماد على فكرة السلطة العامة لتحديد ولاية و إختصاص القانون الإداري، و ذلك بسبب أن أعمال السلطة في حد ذاتها تبنى على جانبين، فأحيانا يظهر الجانب السلطوي في عمل الإدارة بشكل جلي (نزع ملكية فرد، تنظيم حركة المرور)، غير أن الجانب السلطوي قد يبدو خفيا أو بصورة سلبية فتظهر الإدارة في صورة أقل حرية من الأفراد (تنظيم مسابقة للتوظيف، إعلام الجمهور عن موضوع صفقة...)، أما الفرد فهو حر في إختيار المتعاقد معه كما أنه حر في إختيار عماله...
* من الصعوبة بمكان وضع ضابط مميز بين الأعمال السلطوية و أعمال الإدارة المدنية لمعرفة القانون الواجب التطبيق.
* تطبيق هذا المعيار يؤدي إلى إزدواجية الشخصية القانونية للدولة، فهي في بعض الحالات تعد شخصا من أشخاص القانون العام، و أحيانا شخص من أشخاص القانون الخاص.
2- معيار المرفق العام
يعتبر ليون دوجي Léon Duguit ، جيز Jeze و بونارد Bonnard رواد هذا المعيار.
الدولة ليست شخصا يتمتع بالسلطة و السيادة و السلطان (كما ذهب أصحاب السلطة العامة) بل هي مجموعة مرافق عامة تعمل لخدمة المجتمع و إشباع حاجات الأفراد ç الدولة جسم خلاياه المرافق العامة.
و يقصد بالمرافق العامة مشروعات عامة تتكوّن من أشخاص و أموال تهدف إلى إشباع حاجة عامة، و هذه المرافق تتميّز بأنها مشروعات يعجز الأفراد عن القيام بها.
المرفق العام هو جوهر القانون الإداري و إليه يرجع جميع موضوعاته و يتحدد نطاق إختصاصاته و ولايته.
أزمة المرفق العام :
لم يكن إخضاع الإدارة للقانون الإداري يثير أي إشكالية بسبب محدودية نشاط الدولة، غير أنه و بعد الحرب العالمية الثانية، وجدت الدولة نفسها مجبرة على القيام بوظيفة الصناعة و التجارة بفعل تطوّر الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية فظهر إلى جانب المرافق الإدارية المرافق الإقتصادية و من غير المعقول إخضاع المرافق الإقتصادية إلى القضاء الإداري.
ففكرة المرفق العام أصبحت عاجزة على أن تكون أداة تميّز بين ولاية القانون الإداري و ولاية القانون الخاص.
3- فكرة المصلحة العامة
ظل مناصرو مدرسة المرفق العام يدافعون عن وجهة نظرهم، فقالوا أن المرافق العامة و إن تنوّع نشاطها بين مرافق إدارية و أخرى إقتصادية إلاّ أن الهدف يظل واحدا في كلا النوعين و هو تحقيق المصلحة العامة.
غير أن الفقه يكاد أن يجمع أن المرافق الإقتصادية و إن كانت ترمي إلى تحقيق مصلحة عامة لا ينبغي إخضاعها لقواعد القانون الإداري.
فطبيعة نشاط المؤسسات الإقتصادية تفرض عليها أن تنزل إلى مرتبة الأفراد و تتعامل معهم في إطار قواعد القانون الخاص.
كما أن المشروعات الخاصة على إختلاف أنواعها هي الأخرى ترمي إلى تحقيق مصلحة عامة، فهدف المصلحة العامة هدف يتسم بالإطلاق و المرونة.
4- معيار السلطة العامة في وجع جديد
القانون الإداري يكون هو الواجب التطبيق إذا لجأت الإدارة إلى إستخدام بعض إمتيازات السلطة العامة.
و هذا يعني إن ولاية القانون الإداري تبنى بالأساس على الوسيلة التي تستخدمها الإدارة، فإن إستخدمت وسائل القانون العام "إمتيازات السلطة العامة" خضعت في عملها هذا للقانون الإداري و إن إستخدمت وسائل القانون الخاص نزلت إلى مرتبة الأفراد خضعت للقانون الخاص و القضاء العادي.
النقد :
فتحت السبيل واسعا أمام الإدارة و تركت لها قدرا كبيرا من الحرية.
الجمع بين المعيارين
ناد الفقيه "أندريه ديلوبادير" بضرورة تطبيق معيار مزدوج فأعطى لكل من المعيارين حقه في رسم معالم ولاية و إختصاص القانون الإداري، فالقانون الإداري لا يطبق إلا إذا كان الأمر متعلقا بمرفق عام و يتمتع هذا المرفق بإمتيازات السلطة العامة في القيام بنشاطاته.
ملاحظة :
أسس القانون الإداري : معياري المرفق العام و السلطة العامة و المعيار المزدوج، هي نفس معايير تعريف القانون الإداري.