إن حكمة الصيام أن يقود لرقة القلب وتحريك الشفقة في نفسك، فإن من يذوق طعم البلاء يكون على أهل البلاء أكثر عطفًا، لذلك جاءت الصدقة ملازمة لصيام رمضان، فلو لم تجد في نفسك حبًّا للصدقة في رمضان فعطفك قليل وصيامك قليل.
رمضان يرفع مذلة الفقير، فلا يقول الفقير أعطني، بل يسمع الغني في ضميره صوت الفقير أعطني، ثم لا يسمع رجاء بل أمرًا أعطه. إذا لم يحرك فيك الصيام والجوع حب المساكين، فأنت لم تستفد كثيرًا من صيامك.
هدف الجوع الاختياري أن تتذكر أصحاب الجوع الإجباري.
أنا أدعوك في رمضان أن تخرج من بيتك وتزور الدويقة أو أي حيّ فقير، انس أنت من وابن من.. اترك سيارتك واخلع بدلتك، وامش وسط البسطاء المحرومين.. اذهب وأنت صائم جائع، وليس بعد الإفطار، وقد امتلأت البطون بالطعام، اذهب بروحك وإنسانيتك، اذهب واستجمع كل ما أوتيت من رحمة، اذهب واطرد ساعات الأنانية عن نفسك، واستجمع كل إيمانك، اذهب وأكثر من ذكر "لا حول ولا قوة إلا بالله" رحمة بهم، وكذلك أكثر من ذكر "الحمد لله" لرحمة الله بك عندما أعطاك، اذهب واسأل نفسك أيهما أحب إلي: البخل أم العطاء.. البذل أم المنع...حب الأنا أم حب الناس؟
دعني أسألك: هل أنت تحب العطاء؟ أوحي الله لإبراهيم عليه السلام: أتعرف لماذا اتخذتك خليلًا يا إبراهيم؟ فقال لم يا رب؟ فقال لأنك تحب العطاء أكثر مما تحب الأخذ.
وعندما نعيش لأنفسنا نولد صغارًا ونعيش صغارًا ونموت صغارًا، وعندما نعيش للناس تمتد أعمارنا بعمر كل إنسان ندخل الفرحة على قلبه، كفانا أنانية وعيشًا للنفس، فلنعش للناس وعندما يأتينا الموت نكون سعداء.. سيقول الواحد منا لا أشعر برهبة الموت، فلقد أخذت من الدنيا كثيرًا يوم أن أعطيت كثيرًا. ولن تبكي يومها على أولادك لمن تتركهم من بعدك، فلقد أمنتهم وأمنت مستقبلهم، فالخير لا يضيع، الديان موجود "اعمل ما شئت كما تدين تدان"، والمعروف لا يموت، والنبي يقول "صنائع المعروف تقي مصارع السوء".
الريح المرسلة صدقني.. إن لذة العطاء أحلى بكثير من لذة الأخذ.. إن الفلاسفة دائمًا لديهم قدرة فائقة على نقض الأفكار أو المسلمات، لكن الحقيقة التي اتفق عليها أغلب الفلاسفة أن سعادة الإنسان في العطاء أحلى من سعادته في الأخذ.
اخرج من بيتك واذهب لحي فقير واجلس إلى البسطاء.. أو قل البؤساء، وأعطهم من نفسك كما تعطيهم من مالك، فرب ابتسامة مع العطاء تسعد الفقير أكثر من العطاء نفسه، ورب مسحة على رأس يتيم يسكن لها قلبه أكثر من جنيهات في اليد والوجه عابس {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًىۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263].
كان رسول الله جوادًا، وكان أجود ما يكون في رمضان فهو كالريح المرسلة.. هذا حديث رائع، فالجود أعلى درجات الكرم والعطاء، فالجواد درجة أعلى من السخي ومن الكريم، ثم هو أجود ما يكون في رمضان، ثم هو كالريح المرسلة.. لماذا الريح المرسلة؟ الريح لها
ثلاث خصائص:
أولاها: التتابع والاستمرارية، فهي ليست كالنسمة تأتي حينًا وتتوقف حينًا، بل إنها مستمرة مرسلة بلا توقف، وهكذا كان النبي في عطائه طوال رمضان.
وثانيها السرعة: فالريح ليس فيها تردد.
وثالثها: الشمول والعموم، فالريح تكون عامة تغطي مساحات كبيرة من الأرض، وهكذا كان النبي في عطائه إذا أعطى أشبع وشمل عطاؤه من سأله، ومن لم يسأله، حتى قال أحد الأعراب واصفًا عطاء النبي "إن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدًا"، ولا عجب فقد قال النبي لبلال: "أنفق بلالًا ولا تخشى من ذي العرش إقلالًا" مع أن بلالا أصلًا من الفقراء.
إن الكل يعطي في رمضان، ولكن شتان بين عطاء وعطاء، شتان بين عطاء مشوب بحذر وبخل وحساب، وعطاء الريح المرسلة.. العطاء السريع المستمر الشامل.
إن في بلادنا أصحاب ملايين، العطاء إليهم أحب من الأخذ، لكن في بلادنا أيضًا أصحاب ملايين ومليارات لم يتذوقوا بعد لذة العطاء فحرموا من أحلى لذة في الوجود، أهدى لهؤلاء وهؤلاء حديث النبي: "السخي قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة، والبخيل بعيد عن الله بعيد عن الناس بعيد عن الجنة".
نقلا عن الموقع الرسمي للداعية عمرو خالد
clin d'oeil
عدد المساهمات : 346 نقاط : 673 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 23/04/2010
موضوع: رد: عمرو خالد: كونوا كالريح المرسلة في رمضان الخميس أغسطس 05, 2010 6:19 pm