التعامل مع الأولاد
بعض الآباء يقسو على أولاده ويحرمهم من أدنى حقوقهم خصوصاً المعنوية منها كالشفقة والعطف، وبعضهم يسرف في ذلك؛ وكلا هذين الطريقين ذميم، وحصادهما مر بلا شك.
ولأجل أن يستبين سبيل التربية الأمثل، وطريقها الأقوم كان هذا التحقيق:
في البداية يذكر الأستاذ عبدالرحمن بن خالد الحربي أن تربية الأبناء في هذا العصر أصبحت من أهم الأمور التي لا بد من التركيز عليها، ولا بد من رسم الخطط التربوية للتعامل مع الأبناء ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً.
وذلك لأن مجال التربية قد اتسع فلم تقتصر وسائل التربية - كما كانت عليه في السابق - على البيت والمسجد والمدرسة.
بل ولم تقتصر على المعاملة، والمخاطبة، والقراءة.
لذا لا بد أن يبدأ الآباء بإيجاد طرق جديدة وحديثه للتعامل مع الأبناء حتى يتمكن الأب من السيطرة على ابنه، ومواجهة الحياة وما يعج فيها من مغريات.
ويبين الشيخ سليمان الطوال ه أن مقولة " شد على ابنك يخدمك " خاطئة فلا الشدة تنفع ولا السماحة المطلقة كذلك بل شعرة معاوية, إن رأى عيباً قومه باللين والرفق، وإن رأى أدباً واستقامة شجعهم وشكرهم عليه؛ فالشدة المستمرة يحصل منها النفرة والكره والبغضاء وعدم التقبل، واللين والتسامح الدائم ينتج عنه ضعف وخور وضياع.
وعن دور المجتمع (الأقارب-الجيران) في من شد على أبنائه، وحرمهم من أدنى الحقوق، وفي من تجاوز الحد في تلبية رغباتهم، قال الأستاذ عبدا لرحمن الحربي:
إن المجتمع الذي يعيش فيه الفرد يجب أن يكون مترابطاً يتناصحون فيما بينهم ولأجل ذلك نود أن نضع بين يديك - أخي المبارك - بعض الطرق التي يمكن أن يكون فيها للمجتمع أثر بارز في حل المشكلة:
- قبل البدء بالنصح والتوجيه لا بد من وجود ترابط في المجتمع بحيث يكون هناك لقاءات، أسبوعية، أوشهرية، أوفصلية.
- الاهتمام بأحوال الأفراد المادية وتلمّّس حاجاتهم فإن الدّين يضعف كاهل الرجال ويوجد الهم والحزن، والإحسان إليهم من أقوى الأشياء المؤثرة على النفس.
- عدم إيذاء الجار بالسب والازدراء، والصبر على أذاه.
- وضع برامج دعوية وإرشادية للجيران والأقارب يستفيد منها الكبير والصغير , والتركيز الجيد فيها ومتابعة أدائها.
- بعد ذلك نستطيع أن نتلمس حاجات المجتمع، وحصر السلبيات الموجودة فيه، ومعالجتها.
تناقض بعض الآباء، ومخالفة أقوالهم لأفعالهم
يقول الشيخ سليمان الطوال ه: الوالد قدوة لأولاده فلا تحصل التربية المرجوة إلا إذا كان الوالد مطبقاً لما يقوله، عاملاً بذلك، جاعلاً نصب عينيه قول الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ).
بعدها توجهنا بسؤال الأستاذ عبدالرحمن الحربي عن صحة هذه العبارة:" الهادي الله, التربية وعدمها سواء".
فأجاب بقوله:
العبارة معناها صحيح، لكن استعمال الناس لها قبيح, فالهداية من الله - سبحانه- ويكون معها أخذ السبب, فالعبد مطالب بأخذ الأسباب ، وبذل الجهد ، ثم بعد لا يؤاخذ بعدم التوفيق قال - تعالى -: (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً).
وقد أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة، وطالبه ببذل الجهد، وأخبره - سبحانه - أن الهداية ليست بيده - عليه الصلاة والسلام - قال – تعالى - : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ).
ومع هذا فالنبي – صلى الله عليه وسلم - بذل جهداً كبيراً لنشر هذه الرسالة؛ لذا فإن الواجب على الآباء استنزاف الجهد في تربية أبنائهم، والصبر والاحتساب؛ فإذا بذل الوالدان وسعهما، واختار لابنهما الصديق الصالح، وأنفق عليه بالحد الواجب دون إفراط ولا تفريط؛ فلينتظرا بعد ذلك الهداية من الله.
أما أن يمهل الآباء ثم يحتجون بأن الهداية من الله، وبصلاح فلان دون فلان فهذا غير صحيح ولا يصدر من أبٍ عاقل يدرك أن ابنه سيحمل اسمه في المستقبل.
وأضاف الأستاذ الحربي بأن مكمن الخطر ينطوي تحت التربية الخاطئة فبعض الآباء يرى بأن أسلوب التربية الصحيح هو حرمان الأبناء من كل شيء؛ فحرم ابنه من العطف والشفقة، وحرمه من حقه المادي، ونسي أن الله قد فرض للابن حقوقاً يجب على وليه مراعاتها.
ولذا كان عائد هذه التربية سيئاً للغاية، وهذه أبرز السلبيات على سبيل الإيجاز:
- كره الابن لأبيه، وعدم الارتياح له، وهذا بدوره يعود على الوالد بالعقوق، والجحود.
- وجود حاجز نفسي يمنع الابن من المصارحة مع أبيه.
- فقد السيطرة على الابن بعدما يكبر.
- فشل كثير من الأبناء في دراستهم.
- بل فشل كثير منهم في الحياة، وعدم قدرتهم على مسايرة المجتمع.
- سقوط الابن في براثن الجلساء المفسدين؛ حيث وجد عندهم الاهتمام، والرعاية التي فقدها في بيته، وبين أهله.
- ملل الأب من ابنه؛ وهذا عائد إلى فقد الوالد السيطرة على ابنه، وأيضاً جهله بالطريقة المثلى في التعامل سوى القسوة والحرمان.
- تورط الآباء في كثير من المشاكل مع أفراد المجتمع، والمدارس، والقطاعات الأمنية، غيرها.
- التفكك الأسري الذي ينتج عن هذه التربية، وقد يصل في بعض الأحيان إلى الطلاق بين الأبوين.
- الأمراض النفسية، والعقلية التي تحصل للأبناء جراء هذا التعامل الشائن.
ويضيف الحربي قائلاً: ثم إن هناك طرف آخر من الآباء على عكس الطرف السابق تماماً، رأى أن المصلحة في أن يعطى الابن كل ما يريده فضلاً عن ما يحتاجه، ورأى أن حرمانه من مسايرة أقرانه قسوة وبخلاً.
وقد كان لهذه التربية - أيضاً - آثار سيئة قد تكون أكثر سوءاً من سابقتها، وهذه شيء من آثارها السلبية على الأفراد والمجتمع:
- البر المزيف من الأبناء للآباء، فهو مقترن بالعطاء؛ فمتى أشبع الابن حاجته فهو بار، ومتى أحس بالحرمان فهو عاق.
- فقد السيطرة على الابن؛ فالأب لا يستطيع أن يجبر الابن على فعل ما لا يريده، ولا يستطيع كذلك صرفه عن فعله ما يرغبه، ولو كان ضاراً بدينه وأخلاقه.
- إصابة الابن بداء العجب، والكبر والتعالي على من حوله.
- استغلال الابن من قبل رفقاء السوء وجعله مصدر تمويل لهم .
- وقوع الأب في مشاكل مع أفراد المجتمع، والمدارس، والجهات الأمنية.
- انتشار بعض العادات السيئة مثل التفحيط، والتسكع في الشوراع، والمعاكسات، والقصات الغربية، وغيرها كثير...