وقفة مع ديوان " تحولات فاجعة الماء "
للشاعــر عبـد الحميـد شكيـل
عندما يلعب الشاعر بمفردات اللغة !
الأخضر رحموني
من الإصدارات التي طبعت خلال الثلاثي الثاني لسنة 2002 ضمن منشورات إتحاد الكتاب الجزائريين و بدعم من الصندوق الوطني لترقية الفنون و الآداب وتطويرها التابع لوزارة الاتصال و الثقافة المجموعة الشعرية الثانية للشاعر عبد الحميد شكيل ، وقد أختار لها من العناوين عنوانا موفقا هو " تحولات فاجعة الماء - مقام لأحبة " ليترجم بصدق متن النصوص الشعرية التي تضمنها المجموعة التي تقع في 140 صفحة من الحجم المتوسط ، و هي تعبر في مجملها عن تحولات سياسية واجتماعية شهدها الوطن خلال سنوات الدم و الدموع ، و رصدت جماليا أطوار هذه المأساة ، دون أن تغفل المسرى الجميل نحو الخير و السلام و المحبة.. وجسدت هذه الثلاثية صورة غلاف المجموعة التي توحي بامتزاج الدماء الحمراء بالمياه البيضاء وهي تتدفق كالشلال الهائج لتحصد في النهاية بذور الأمل الأخضر... وما يلاحظ أن جل القصائد قام الشاعر بإهدائها إلى كتاب و شعراء من الجزائر ومن الوطن العربي امتدت إليهم أيادي الغدر و الخيانة في هذه العشرية من أمثال : الطاهر جاووت ، محمد طالب البوسطحي ، بختي بن عودة ، ذو النون الأطرقجي ، و غيرهم...
و الشاعر عبد الحميد شكيل من الأصوات التي ظهرت بداية السبعينيات من القرن العشرين ، و يعد من أوائل الشعراء الذين كتبوا القصيدة النثرية في الجزائر قبل ركوب غيره موجتها فيما بعد ، و رغم أن تجربته الشعرية ذات حضور دائم و مستمر إلا أن الدراسات النقدية التي تناولت نتائجه الشعري قليلة قياسا بغيره ، و قد يعود ذلك إلى أزمة النشر التي حرمت الشاعر من طبع دواوينه العديدة ، ومن ثمة حرمان الباحث من الإطلاع عليها ومعرفة تطوره الفني ، و اعتماد أشعاره في الدراسات الأكاديمية.
إن القارئ لهذه المجموعة الشعرية يلمس قفزة نوعية من حيث الرؤية الفنية والبناء اللغوي للشاعر مقارنة مع مجموعته الأولى الموسومة بـ : " قصائد متفاوتة الخطورة " الصادرة عن مجلة – آمال – سنة 1985 و التي إمتازت برؤية رومانسية حملت هموم الذات و آلامها في مرحلة السبعينيات ذات الخطاب الايديولوجي الذي ينزع منزع الواقعية الاشتراكية.
إلا أن الشاعر عبد الحميد شكيل في هذه المجموعة الجديدة إكتسب ميزة أساسية جعلت لغة قصائده تحمل إيقاعات متوترة تحيل إلى انكسارات الذات التي يعذبها الواقع المضطرب ، و يحفر بؤسها اليومي حتى أصبحت هاجسه الذي يعمر وجدانه ، خاصة وأنه وظف بعض الاستهلال و الجمل الإبداعية لكتاب وشعراء عالميين ( بوشكين ، سان جون بيرس ، إدوار الخراط...) حتى يعتقد القارئ أن القصيدة تذهب في هذا المنحنى ، دون فقدان لونها وطعمها ، أي أن الشاعر يحاول استغلال ثقافته المتنوعة في تطوير النص ، لهذا جاءت القصائد مثقفة تحمل جهدا إبداعيا و فكريا موصوفا ، الشيء الذي يجعل المتلقي العادي يجد بعض الصعوبة عند الاقتراب من عوالمها . فهذه النصوص ، لا تكشف سرها العميق ، و لا تمنح معناها الشعري إلا لمن كان متمكنا من أبجديات العمل الإبداعي و متوفرا على أدوات إجرائية يستطيع بها فك هذه العوامل المتداخلة.
ومن الإنصاف القول أن الشاعر عبد الحميد شكيل أصبح يملك لغته الخاصة التي يعرف بها بعد استفادته من الطبيعة و عناصرها و مشتقاتها وتوظيف ذلك في قصائده القديمة والجديدة ، فإن كان في مراحله الأولى قد وظف النورس و البحر
و متفرعاتهما، فإنه في السنوات الأخيرة قد اتجه إلى الماء رمز العطاء و الخصوبة ،
و ما يحمله من دلالات صوفية فيزيقية لتوظيفه ، كما جاء في نصوص هذه المجموعة التي تأخذ ملامح صوفية حداثية على عكس بعض الشعراء الشباب الذين استحسنوا الكتابة في هذا الاتجاه إنبهارا بالشاعر أدونيس مما يجعل من قصيدة شكيل عالما يضج بالأخلية والمعاني الفنية التي تزين النص و تمنحه شعرية متميزة . كما أن المجموعة الشعرية تمتاز بإنزياحاتها ومفارقاتها اللغوية التي أعطتها أبعادا جد معتبرة . و يبدو أن الشاعر عبد الحميد شكيل يشتغل بأدواته الخاصة على مستوى اللغة ، و يلعب بالمفردات لتؤدي الكلمة مدلولا آخر غير الذي وضعت له لغويا ، الأمر الذي يزيد من انفجار موسيقاها المتفردة ، و قصيدة " وردة البحر عذرا !!" إلا نموذج حي على ذلك ، يقول الشاعر : " وردة البحر : أنت قلبي ، و قبيلتي ، و قبلتي ، و قبلتي ، و مقتبلي ، و مقالتي، ومقيلي، و قيلولتي ، و مقتلي ، و مقلتي ، و ملتقى بحري بنهر دمي... "
الأكيد أن مجموعة " تحولات فاجعة الماء ،" التي جاءت في معظمها على الطريقة الحديثة ، إلا أنها تحمل في مفاصلها وجملها إيقاعا و موسيقى داخلية تمنحها متعة خاصة ولذة في القراءة ، لا تزال بحاجة إلى دراسة فنية بنيوية تحليلية لتفسير الغامض منها ، و يمكن للدارس الواعي أن يكشف الكثير من الحقول و الدلالات التي ساهمت في تشكيل تميزها الذاتي و فرادتها الشعرية .